الخميس، 20 سبتمبر 2012

الربا الحقيقي .. وعباءة الظلم المعاصرة



وندور ثانية في فلك الغباء الفقهي .. والسذاجة التفسيرية ...
إن فوائد البنوك ومشكلة القروض .. بل لب الاقتصاد العالمي الحالي مظلوم فعليا في الفقه الاسلامي المعاصر ..
دعوني اشرح لكم فكرة خطيرة جدا جدا ..
دلوقتي انا اخدت من حد خمسة الاف جنيه 5000 كقرض .. الفقه الاسلامي (السطحي ) بيقول اني لازم ارجعهم خمسة الاف جنيه بعد خمس سنين .. دون فضل أو فائدة .. او زيادة (ربوية) بمصطلحهم اللامطابق ..
وفي ذلك كل الظلم والاجحاف .. فاي طفل صغير .. وأي غبي يدرك تماما ان قيمة هذه النقود ستتغير حتما .. وان الثقل الاقتصادي والقوة الشرائية للخمس تلاف جنيه كمان خمس سنين حتبقي اقل بنسبة كبيرة منها دلوقتي  (احيانا بنسبة اكبر من نسبة الفائدة البنكية نفسها) .. يعني اللي يشتريه الجنيه دلوقتي مش حيعرف يشتريه كمان خمس سنين ..
لذا فمحاكمة القرض علي هذه الصورة الساذجة هي محاكمة سطحية .. تؤدي ولابد إلي فشل اقتصادي مدمر ..
اذن ما هو مفهوم الربا في الاسلام .. المفهوم يتلخص في : (زيادة علي القرض الاصلي في القوة الشرائية للنقود .. اي في الجوهر السندي للنقود .. لا في عددها الورقي .. )
خليني اشرح الحتة المكعبلة دي :
النقود اثناء التشريع الاسلامي كانت مصنوعة من الذهب والفضة الخالصين .. (اي بثبات القوة  الشرائية ) (سند معدني ثابت ) ..
لذا فخمسة دراهم فضية أو خمسة دنانير ذهبية .. ستبقي ذهبية أو فضية .. ستظل قوتها الشرائية تحوم في نفس المستوي إن لم تزد مع ارتفاع اسعار الذهب والفضة المتتالي علي مدار الزمن .. أما نقودنا الحالية فهي مجرد تمثيل ورقي لتسهيل التعامل الاقتصادي .. فالورقة فئة الخمسة جنيه لو مسحت من عليها كتابتها لا تساوي ثمن الحبر نفسه .. عكس الدرهم الفضي والدينار الذهبي ...

لذا نحن في حاجة حقيقة إلي تعديل الفقه الاسلامي الاقتصادي نتيجة تغير التعامل الاقتصادي واستخدام الورق (الرمزي) متغير القوة الشرائية بدلا من السند الذهبي والفضي الثابت أو متصاعد القوة الشرائية ..
يعني بالمختصر المفيد .. لو اخدت منك خمس الاف جنيه .. نشوف هما يساووا كام جرام دهب وليكن 50 جم مثلا بسعر السوق الحالي .. اردهم لك بعد خمس سنين بما يعادل 50 جم دهب بغض النظر عن المبلغ نفسه ان شاء الله يطلع 100 الف جنيه .. لكن تبقي القيمة الشرائية للنقود واحدة ..
وعلي هذا الاساس المنطقي جدا والذي لا اظن احد سليم الفطرة والمنطق سيعارضه فإن محاكمة الفائدة البنكية علي القروض والودائع لابد ان تخضع لهذا المعيار .. فإن كانت الفائدة البنكية تظل داخل اطار هبوط القيمة الشرائية للنقود بنشبة مئوية قريبة من نسبة الهبوط .. فلايمكن بهذا اعتبارها ربا ..
والله اعلي واعلم ..
والله من رواء القصد ..

الأحد، 26 أغسطس 2012

العقلية الاعرابية

:
(الأعراب اشد كفرا ونفاقا واجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله )
(وقالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم )

عقلية الاعراب العقيمة المحدودة ..  عقلية التلقي المغلق للنص .. عقلية القراءة الجامدة للتعاليم .. عقلية من لا يري حدود النص الواسعة بل بمعني ادق .. من يتغافل عن لامحدودية العمق والحمل المعنوي إلي محدودية اللفظ ..
عقلية تلوثت بها جيناتنا العربية ..
عقلية تعامل معها القرآن بحكمة بالغة .. فكان للنص القرآن ظاهر وحكم لفظي محدود يلعب علي وتر (اقل ما يمكن قبوله من النفس البشرية) .. وباطن واسع لا محدود .. يلعب علي العمق الانساني ..
وكأن القرآن مثلنا .. جسد لفظي محدود .. لغة (وهي في النهاية ارضية) .. وروح وجوهر داخلي لامحدود .. جوهر مكنون .. سر باطني ربما يخفي علي العقلية الاعرابية الجامدة ..
بل الاسلام نفسه مثلنا .. ظاهر جامد متمثلا في الاحكام الفقهية والشعائر الحركية وهو الاسلام .. وباطن روحاني متمثلا في الايمان وهو معني اوسع من ان يشمله لفظ قاصر ..
لذا نحن نبحث عن اعادة قراءة لديننا .. لقرآننا .. متجردين من لوثات العقلية الاعرابية .. والموروثات القديمة ... محاولة لسبر اغوار الروح القرآنية مستعملية حواسنا الروحية .. متعالين علي الجانب الارضي فينا وفيه متمثلا في التلقي النصي المنطقي العقلي الجامد للفظ القرآني .. جاعلين الامتزاج بيننا وبين القرآن نابعا من اتصال روحنا بروحه .. دواخلنا بدواخله .. مكنوناتنا بمكنوناته ..
تلك هي حالة التدبر ..

براجماتية


:
اذا صلح واحدث نفعا علي ارض الواقع فهو سليم وإلا فلتلق به في اقرب مزابل الافكار
If it works … it is true
لماذا لا تتعامل مع الاسلام والمعتقد الايماني بهذه النفعية البحتة .. فوالله لو تعاملنا مع التعاليم الربانية والنبوية في ديننا ببراجماتية ووصولية ونفعية بحتة لكنا اشد تمسكا بها علي الجانبين الفردي الداخلي والجمعي الاجتماعي ..
فإن حقا هذا الدين نسق متناسق ومنسق للنفوس والجموع ..
لكننا للأسف نظل نبحث عن الحقائق خارجا .. نبحث عن ايدولوجيات وافكار ربما هي نافعة من ناحية ولكنها لا تغوص في معالجة نفوسنا إلي العمق الكافي الذي يصل اليه الممعتقد الديني الرباني .. لذا فلا يعدو اثرها ان يكون مؤقتا او مسكنا ..
تذكرت هذا وانا اطالع قديما كتاب السر the secret .. وكتابي ارض جديدة والقوة الآن .. the power of now .. new earth by ekhart tolle
هي تعاليم رائعة وقوية ونافعة .. ولكننا نملكها في ديننا .. بعمق اكبر .. بيد اننا قد تغافلنا عنها او اهتممنا بقشور عن لباب .. وربما حدث بيننا وبين تعاليم ديننا نوع من الألفة  والاعتيادية فاصبحنا نسمع ولا نسمع .. (اسمع غير مسمع) ... لذا اضطررنا للبحث عن حلول في الخارج ..
كذلك الشحات الذي جلس علي صندوق بجوار الطريق سنوات وسنوات يمد يده يتسول لقمة ولم يدري سوي قبيل موته انه كان يجلس علي صندوق ملئ بالذهب ..!!
...................................................

الأحد، 19 أغسطس 2012

تروس ومتعشقة


اليقين بالغائية ..
ان توقن ان كل شيء يحدث لغاية ما ... كل موقف صغير كان او كبير هو جزء من معادلة كبيرة .. وعملية واسعة اوي يمكن متقدرش تشوف ابعادها كاملة بإدراكك القاصر .. ولكنها هناك موجودة .. 
ويقينك الذهني والقلبي المستقر .. ان كل حاجة بتعملها او بتحصلك .. مقصودة .. وجزء من حبكة كبيرة أوي لحياتك ..
الحالة دي اللي بتبقي موجودة في خلفية دماغك .. بتطبطب عليك احيانا لما الدنيا تضلم .. او حتي لما تظلم نفسك باختيار احمق او ذنب .. تلاقيها بتوشوشك "ليس في الامكان أفضل مما كان" .. وكل شيء يحدث لهدف ..

مفيش حاجة في الكون كله اسمها موقف عادي أو لحظة عادية .. بل علي المستوي اليقيني الواسع اوي ده مفيش حاجة في الكون اسمها غلطة أو حتي كارثة .. وده اصل من اصول الإيمان بالعناية والقيومية والحكمة الربانية .. 
كل نجاح او فشل .. كل حاجة بتشدك فتدمنها احيانا .. أو منعطف خطير في حياتك تنزلق فيه اقدامك .. تتزحلق في دوامة حياتية تقعد فيها ايام أو شهور او سنين .. تذكر دوما أنها مقصودة ..

تمام زي موسي عليه السلام .. يقتل .. يظلم نفسه .. ويهرب .. ويتغرب .. حدوتة طويلة .. وحبكات صغيرة بتصب في الحبكة الكبيرة في حدوته .. عشان تتفتح كلها يوما ما علي نو النار القدسية في الوادي حين ينادي "ولتصنع علي عيني "

مش عاوز ادي امثال كبيرة اوي .. لأ .. انا عاوز اسقطها علي حياتي انا .. الفردية الخاصة .. حدوتك انت .. ومساحتك الضيقة من الدنيا .. اياك تظن للحظة انك خارج عن نطاق العناية والتخطيط والتدبير ...
شعورك احيانا بعبثية حياتك .. او خواءها من المعني .. او تخبط وحيرة .. ليس سوي خلل في الخلفية الدماغية دي .. خلل في يقينك ان ادراكك قاصر عن استشفاف الحبكة الكبيرة اوي والواسعة اوي اللي راسمهالك المخرج القيوم .. 
واياك تستصغر حدوتك ومساحتك وتظن ان فكرة التدبير الواسع ده مش بيشمل الكائنان الصغيرة امثالنا.. لأ .. ولا اصغر من مثقال ذرة بيخرج عن قيوميته وعنايته .. وتدبيره .. واخراجه الحكيم لحدوتنا في الدنيا ...

ساعات ربنا بيسيبنا نقع .. ونتوه .. بل احيانا بنسيبنا نغوص في الذنوب حتي نصير فيها "خبرة" .. لأنه يعدنا لشيء ما .. بيأهلنا ويدربنا ويدينا نوع من انواع الدعم الفني التجريبي ..
بس خلي بالك اوي .. ده مش تبرير للذنوب والتكاسل عن الاسباب لاصلاح اخطاءك .. 
ده بس جناح طبطبة وخلفية .. نوع من انواع الموسيقي التصويرية المصاحبة لمشهد اصلاحك لحياتك .. عشان ميصيبكش اليأس ..
نغمة مريحة متناغمة مع السعي ...

 دايما فكر نفسك ان ايامنا ومواقفنا وحياتنا . كلها تروس ومتعشقة في بعض .. جزء من منظومة كبيرة اسمها القدر .. 
ودايما لما تلاقيها ضلمت -وانت بتسعي ومش مقصر في الاسباب نهائي- شغل في خلفية مشاهد حياتك الموسيقي التصويرية اللي حتظبط الايقاع .. ونشيد حدوتك الرسمي اللي بيقول :
"ليس في الامكان خير مما كان "

"it is meant to be..." 

واصبر لحكم ربك .. فإنك بأعيننا

الخميس، 5 يوليو 2012

ابحث عن حكمتك

لا تعيرهم اهتماما. . كتبهم.. مبادئهم. . ما يعتبرونه مقدسا. .
لا تلتفت الي معاييرهم .. فقههم. . تفسيراتهم.
اصنع معادلتك الخاصة. . ابحث عن حكمتك التائهة.
تلقي القران تلقي الانبياء وكانه عليك تنزل.
استمع الي مسحات النبي وكانك حواري او صحابي. . لا تلتفت الي الوسطاء والرواة .
ابحث عن حكمتك الخاصة داخلك انت انت. حاملا كتالوج نفسك المسمي قرانا.  مستدلا بخرائط التنزيل المقدس.
حكمتك انت انت.

الأحد، 25 مارس 2012

مما قرأت .. (ماكيت)


معزوفة من روايتي "ماكيت" :



..................................






اذكر انها كانت تؤمن اننا لا نستخدم عشر طاقات حوانا الظاهرة .. لا نؤمن بعشر ماديتنا ..


اننا احيانا ننسي .. نغفل عن روعة تلك الحواس

 
تتأملها ..


كان لها في كل عادة حياتية وكل فعل يومي بسيط طقوس .. وشعائر .


نوع من الاحتفال بالحياة في كل صورها المتجددة فينا .. بالفعل .


نوع من الحضور الكامل بكل حواسها في اللحظة الحاضرة(الآن) .. والحيز المكاني (هنا) .. والفعل الحالي ..


وكأنها كانت تخرج من الحياة لتستمتع بالحياة .


وكأنها تقوم بعصر كل الحياة في اكسير واحد مركز .. هو الآن وهنا ..هو طقوس الفعل الحالي ..
وكأنها تتعبد لذاتها .. لمساحات نفسها الخفية .. بطقوس افعالها..
 
...............

كانت تضحك حين تراك تشرب قهوتك ساخنة ..تخبرك أنك حين تشرب قهوتك سريعا فأنت تفقد نصف متعتها ..

- إن الدخان المتصاعد من القهوة الساخنة لهو ربع متعتها .. أحيانا يكون تدخينه اشهي من سيجارة ..
 
تذكر انها قامت لتصنع لك حينها كوبا من القهوة .. لتعلمك من أين تشرب القهوة ..
اخذت تقرب انفها من الكوب الساخن .. وتتخذ شهيقا طويلا .. وانت تتأمل الدخان المتصاعد من الفنجان يتجمع وكأنه يلبي طلبها ..
تكتمه قليلا داخل صدرها .. ثم تفرج عنه .
 
- يالك من مجرم في حق دخان قهوة .. كيف بك تتركه ليذوب بالعدم .. .
 
كانت ترفض ان تحمل الفنجان من يديه الصغيرة .. وتسميه ذاك (شنق القهوة) ..
كانت تلف كلتا يديها حول الفنجان ..
وكأنها تستمتع بملمس جدار الفنجان الحار الناعم وحوله اناملها العشرة .. كانت تشرب القهوة وكأنها تحتضنها ..!!
 
كانت امرآة تشرب القهوة بحواسها الخمسة ..
امرآة حاضرة بكليتها حول قهوة .. متواجدة بعمق مع فنجان .. فكيف بها حول رجل مثلك ..!!
 
...............................................
كانت لقائتكما تدور دوما حول قهوة ما .. 
فهي كانت تري القهوة (المشروب الرسمي للعمق) .. وفي رواية آخري بعد بضعة اشهر همست بها في أذنك (المشروب الرسمي للعشق) ..
فمع القهوة يصبح الكل عاشقا افضل .. بل يصبح العشق ذاته اشهي ..
كانت تحيا بكل لحظاتها .. بكل جوارحها ...بصدق ..
والصدق لديها يتجلي حول قهوة ..
 
وكانت القهوة هي رشوتك الدائمة لها لتتحدث ..
لتكشفك اكثر ..
لتحملك في رحلة غوص داخلك ..
\لتعرفك كمرشد سياحي ..إلي ذاتك .. إلي معالمك الداخلية .. 
تدور بك في معابدك ومقابرك ...
 
اتدري ذاك الموقف حين ترتطم بشيء ما ..فيجرح منك الوجه .. حين لا تكون هناك مرايا قريبة .. فتلتفت إلي من بجوارك تسأله : 
كيف هو جرح وجهي ؟؟!!
وكأن من يري يمكن أن يصف خيرا ممن يشعر ..
من صاحب الوجه  .. وصاحب الجرح نفسه ..
 
وهكذا كانت عنايات ..
كانت مرآة دواخلك ... تفتح نفسك امامها .. تخلع اقفال سراديبك .. وتحطم ابواب دهاليزك السرية .. وتسألها أن تصف لك ما بداخلك ..
وكأنك تسألها لا شعوريا كمن ارتطم بالحياة :
- كيف هو جرح نفسي ؟؟!!!
 
............................................................
هي لخصته في لحظة واحدة .. وبجملة قصيرة ..
- اختار طريقه بدري ..!!
نعم هكذا حقا كنت تراه .. وكأنه ركب اول اتوبيس قابله ..وكأنه تزوج أول امرآة احبها ..
كانت حياته في نظرك حياة الضربة الأولي ..
حياة (تيك أواي ) .. أو (من ع الوش) ..
حياة لا تحمل عمق الخسارة .. والتكرار .. والانتظار .. 
لا تحمل جمالية العبث لسنوات .. والتخبط .. والتسكع ..والعدور وراء الاتوبيسات الراحلة .. بعد تفويتها عمداً ..!!
لا تحمل مذاق اكثر من فتاة ..
كنت تراه رمزا للانسان الصحي ... والحياة الصحية ..
انسان بالمواصفات القياسية ..
لا ينقصه سوي نشرة داخلية لدواعي الاستعمال والاعراض الجانبية ..
الحياة المغلفة بالسلوفان ,,
الحياة وفق خطة .. كمعاطف الأطباء خانقة البياض ..
الحياة المعقمة ...العقيمة ..
ان ذاك الجناس بين التعقيم .. والعقم .. ليس ابدا محض صدفة ...
 
 
..............................................
 
منقولات متفرقة من رواية ماكيت
19 يونيو 2008
 
اهداء إلي نملة
  

الأحد، 11 مارس 2012

خارج التغطية ... no signal


*  اضطراب ..بعض من قلق غريب .. حالة من الضيق .. شعور باللاجدوي .. بالعبث الكامن في حياتك ..
اذا كنت تشعر بهذا او بعضه .. فاعلم انك خارج نطاق الخدمة .. خرجت عن نطاق التغطية .. بشبكة الاتصال الأهم في الكون ..
انت غير متصل .. حاليا ..
من فضلك اعد تركيب شريحتك .. واعد تشغيل جهازك .. واضبط اتجاه الاريال ناحية الآخرة ..
حينها فقط سيزول كل الألم ..
ستنمحي الحيرة ..
you are out of range
unavailable
no signal        
so reinsert your spiritual sim card
and reboot 

 حينما تري نفسك كوحش ضاري يعدو في غابة من الوحوش .. في ازمنة القحط .. قليلة الفرائس ..
تعدو .. تتربص .. تعوي بطنك دائما .. 
تتسابق مع الوحوش التي تعدو حولك نحو غزال صغير .. 
فاعلم انك ايضا .. خارج التغطية ..


حينما تري الفقر يلمع امام عينيك كلما ادرتها .. الفقر هناك في كل ناحية يتراقص ..
تتمني كثيرا .. ولا تحصل علي شيء ..
تكسب كثيرا .. ولكنك لا ترزق شيئاً ..
وفارق بين كسبك .. وبين رزقك من ذاك الكسب ..
فمن غضب الله علينا ان يجعلنا نعمل .. ليرزق غيرنا .. ونبقي بالحسرة ..
ان يجري رزق المتوكلين علي ايدي الكادحين المتصارعين علي الدنيا .. 


حينما تري في يومك الاف الاهداف .. والواجبات .. ولا تحقق في نهاية اليوم شيئا ..
حين تتراكم عليك الأعمال .. وتشعر بتلك الحالة من الازدحام . النسيان .. التوهة .. فقدان التركيز ...
u feel crowded 
حين تشعر نفسك ممزقا بينك وبينك ..
بين اشيائك واعمالك وجوانب حياتك ..
بل حين تمزقك احلامك بتعددها .. 

اعلم انك غير متصل الآن .. لا تزال خارج التغطية ..



حينما تجد كل شيء يفسد فجأة .. ينهار كل ما تمسه يداك .. تخرج في كل لحظة عشرات الاعباء الجديدة ..
موتور المياه .. السيارة .. الكمبيوتر .. الموبايل .. 
حذائك .. اوراقك تضيع .. 
تبحث عن حاجياتك بالساعات ..
تشعر بأن هناك خللا ما .. نوع من الفوضي المقننة .. فوضي مقصودة بشكل ما ..
وكأن كل شيء ينهار عن قصد .. عن تخطيط ..
لافساد يومك ..


اعلم انك غير متصل .. انك خارج التغطية ..
اتصل بي ليقول لي انه يشعر بكل هذا ..
يسألني في جملة واحدة ما تفسيرك :
اجبته بعفوية :
" يابيه .. مفيش شبكة في الحتة اللي انت واقف فيها "


سألني بعفوية اكبر ..
اريد شيئا وحيدا افعله .. لينصلح كل شيء ..
قلت له :
اظبط الاريال علي الآخرة .. فقط فلتتجه ارادتك نحو الآخرة .. ينصلح كل هذا ..
إنما السير سير القلب يافتي ..
لا تحتاج كثير ركعات او تسابيح ..
فقط اظيط الاريال ..


ذاك بضمان حديث واحد ....


" من كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه .. وفرق عليه شمله .. ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له .. ومن كانت الآخره همه جعل الله غناه في قلبه .. وجمع عليه شمله .. وأتته الدنيا وهي راغمة .."


الهم يا فتي .. هو الأهم ..


اعد أرشفة همك .. في لحظة كرستالية .. بضع ثواني .. قف .. وارفع الاريال .. اعد تظبيط موجتك .. نحو الآخرة .. 
اظبط الجي بي اس الروحي داخلك .. 
نحو الآخرة ..


وفي ذات اللحظة ..
ينصلح كل شيء ..


تعود الهارمونيا إلي حياتك ..
وقتها فقط .. تحصل علي شبكتك .. وتكمل اتصالك .. 
ويعود إليك ارسالك ..





الجمعة، 2 مارس 2012

انتحار 3 .. SUICIDE (EP03)

اخدتي فتاويهم .. وحاكمتي روحك وقلبك بمعاييرهم .. بل وصل بيكي الامر انك في النهاية تقتصي .. بأنك تحاكمي افعال ربنا .. بمعيار افعالنا .. وتوزني حكمته المطلقة في خلقه بميزان المخلوقين العاجز الناقص بعجزهم ونقصهم ولا محدوديتهم ..

كانت تهز رأسها بحنو .. مع همهمات التفهم .. يتطاير شعرها بفعل الهواء المتآمر مع الهوي حول عينيها فترفعه في مؤامرة هوي وهواء  لاسقاطي فيها .. قبل أن تسقط هي من الشرفة ...


شردت قليلا مع دخان السيجارة المحتضرة ... تماما مثلها .. سيجارة علي سور الشرفة الفاصلة بين شفتي وشفا السقوط .. ربما كانت تذكرها بها ..
- مش لاقية سبب عشان اعيش .. ليه اعيش .. ليه اخوض التجربة الغريبة اللي اسمها الحياة .. معنديش اي حاجة تربطني بالدنيا .. تجبرني اني اصحي من النوم الصبح .. معنديش اي حاجة شداني لجوه ..ليه مسبش نفسي للاسفلت اللي تحت ده ..!!

منحتها بعض الصمت للحظات .. لاتمكن من استشفاف ماهية حديثها .. أهو سؤال .. أم تقرير .. أم ربما طلب خفي لاعطيها ما يكفي من الاسباب لتحيا .. ولكني لم افعل ..

- مش هو ده السؤال .. مش هل لديك ما يكفي من الاسباب للحياة ؟؟.. لأ السؤال اللي انا عاوز منك اجابة عليه .. هو هل لديك ما يكفي من الاسباب لتقفزي .. هل لديك ما يكفي من الاسباب للموت ..؟؟ .. هل ترين انك ستحصلين علي قصاص من الكون بارتطامك بالاسفلت ؟؟.. هل انت شايفه انك حتاخدي بتارك من الدنيا بفرقعه عضمك علي ارضها .. 
متقلقيش الارض مش حتتهز .. لن يقوم لك زلزال بالغد .. ومش حتخرج الكرة الارضية عن مدارها .. بل الاكتر من كده .. انه رغما عن احبائك لن يبقي صوت ارتطامك يدوي صداه بالآذان طوال العمر ..


انت عارفه .. انا لو مكانك ... وياريتني كنت مكانك .. كنت ححول غضبي ده .. وصوت ارتطامي الانتحاري المترقب ده إلي طاقة غير عادية .. طاقة حياة .. طاقة اللي ماشي في الحياة وهو معندوش حاجة يخسرها .. طاقة العائد من الموت .. طاقة من وقف يوما علي شرفة .. علي خيط بين الموت والحياة .. يحب الموت اكثر ولا يعبا بالحياة .. ولكنه اختار ان يدوي ارتطامه كل يوم بأذن الكون ..
كنت حخبط بصدي صوتي كل صباح .. مع اشراقة كل شمس بودان الدنيا .. كنت حخش كل يوم واحتك بكتف التقاليد الغبية .. كنت حكون نفسي لدرجة اني متزوقش عشانها .. لوكانت الدنيا مش قابلاني .. حكون كل يوم صوت نشاز يبرجل استماعها لهارمونيا القوالب اللي بتصنعها من الناس .. 
حكون لون فاقع .. ومش لايق علي فستان الحياة المرقع .. بقتل احلام البشر .. 
حكون ريحة خاصة .. نكهة خاصة .. نبرة خاصة .. 
حكون نفسي .. حدوق الحياة بطريقتي .. بلساني أنا .. 
مش حكون بني آدم معلب .. خارج من ميكنة الحياة .. قالب اجتماعي لطيف .. بالمواصفات القياسية .

لأ حشوف الدنيا بعينيا أنا .. واسمعها بوداني انا .. وافهمها بدماغي أنا .. 

يابنتي لو كنتي متضايقة من الدنيا .. صوت ارتطام واحد لن يثأر لبراءتك المغتالة .,.,
لأ .. اسمعيهم كل يوم صوت اراتطام جديد .. بهم .. وبها ..
خلي الكون يعرف ان زي ما الشمس بتشرق .. وبتنور ..كل يوم .. برده ليه معاد مع بني ادم بيكون نفسه .. بيتبع قلبه .. عايش معادلته الخاصة .. وماشي بصيغته .. بطريقته .. مخترع مذهبه هو .. 
له معاد مع جرأته .. كل يوم ..


.... وهنا ازداد بريق عينيها .. شعرت حينها انني وبعفوية استطعت صياغة ما عجزت عن قوله لنفسها .. انني بدأت أحل شفراتها .. وافك اكوادها المستغلقة .. اسلط الضوء علي مساراتها وزواياها المظلمة ..


- حسمحلك تدخل .. بس علي شرط تديني سيجارة  ... 
قالتها وهي تتأملني أنا متجاوزة السيجارة .. تحاول ان تغوص داخلي .. تطلع علي الداتابيز التي اقتبس منها حديثي .. شعرت وكأنها تحاول أن تفهم مني .. مالذي جعلني أموت عشرين ميتة قبل أن اقرر أن احيا .. 


- ومين قال أني عاوز ادخل .. ؟؟؟ .. أنا عندي مشكلة اسمها اكروفوبيا .. وهي فوبيا المرتفعات .. مش بدخل بلكونة بيتنا عشان انزل السبت .. عاوزاني ادخل بلكونة في التامن وفيها واحدة بتنتحر ؟؟!! .. يفتح الله .. 

قلتها بعصبية .. مستحضرا تلك البرودة السارية في يدي .. والشعور العاصف بالدوران .. واحساس مقبض بأن السماء تقع .. حين ألمح مرتفعا .. فما بالك .. بكوني فوقه ...!!!


ابتسمت بصدق .. ابتسامة حقيقية ... وكأنه سرها أن تجد لي نقطة ضعف .. وكأنها وجدت ثغرة لتسترد مني دفة الحديث  ثانية..
- طيب ايه رأيك أني اعقدك اكتر .. حعقد معاك صفقة .. انت حتخش دلوقتي وتقعد جنبي علي السور .. وانت بتكلمني .. عشان اقدر اصدقك .. عشان اقدر اصدق ان كلامك مش مجرد تنويم مغناطيسي أو حد مقنع جايبينه عشان يقنعني بالنزول ... وهو لا يهتم أموت أو اعيش .. والا حنط دلوقتي وقبل حتي ما تكمل جملة رفضك للصفقة دي .. واحملك ذنبي ؟؟!!


شعرت بجديتها في الطلب .. رغم الابتسامة الظافرة اللامعه فوق اسنانها الرخامية البيضاء .. 
كانت جميلة في قوتها تلك .. شهية للغاية وهي تمتلكني .. تضطرني للقبول .. 
مغوية في استغلالها لمكامن الضعف داخلي .. لتجبرني علي تحدي غرائزي ..

وجدتني في تحدي غريب .. ربما حركه داخلي تلك القطبية المستفزة بين رجل الانقاذ .. وامرآة مستغيثة ... انقلبت صورتهما .. لتصبح هي الأقوي ... 

- حعملها بس بشرط .. صفقة تانية .. حنتكلم في تلات حاجات .. لو اقنعتني بأن الموت فيهم اولي .. سأقفز معك .. ولو اقنعتك بأن الحياة فيهم اولي .. تعودين معي .. 


ارتفعت ضحكتها بطفولية عابثة مرددة :
- مجنووون .. والله جايبنلي واحد مجنون .. قال يعني انت حتنط فعلا لو غلبتك ..

قاطعتها في حزم :
- اقسم بالله العظيم يا مروة .. حنط معاكي مش بس لو اقنعتيني .. لأ حتي لو مجرد مقدرتش انا اقنعك انك تفضلي ... معايا ..

اقتربت من باب الشرفة الموارب بهدوء حذر .. ولكنها استوقفتني بسؤال .. خارج الاطار :
- مقولتليش .. هو انت اسمك ايه ؟؟!!

يتبع في الادراج التالي .............

الأربعاء، 29 فبراير 2012

انتحار 2 ..to meet your (ONE) on check out 2

كنت اتحدث ولا انظر إليها .. اخرجت سيجاره .. واشعلتها وبدأت اسحب دخانها في بطء ..


- علي فكره .. انا اول مرة اعرف ان الانتحار بيموت الفضول .. يعني مسألتنيش انت مين بسلامتك ؟؟ .. واشمعني انت اللي بتكلمني ؟؟ .. ولا تلاقي طاقة فضولك كلها متوجهة نحو ما ينتظرك علي الجانب الاخر من الحياة .. ما بعد الموت ..


تفتكري في ايه الناحية التانية ؟؟!!


- المفروض علي حسب ما سمعت... ان محمد راح يجيبلي واحد متدين ؟؟!!
هكذا كسرت صمتها الاخير .. بتهكم واضح متأملة دخان السيجارة المنبعث مع الاحباط من فمي ..
- مانا متدين .. بس متدين بطريقتي ..
اجبتها ببديهية سريعه ..

- إن الاخراج وظيفة حيوية للبشر .. إن تعطلت فسدت حياتهم .. المخلفات الحيوية تخرج بعدة طرق .. مع النفس .. مع العرق .. عبر مواسير الصرف الحضاري ..
أما الاحباط .. المخلف النفسي الأقذر .. فلم يكن لدي وسيلة لإخراجه سوي عبر سيجارة ..
بس واضح بقي ان انتي تراكمت جواكي المخلفات النفسية دون محطات تفريغ ..
للاسف نفسك لسه مدخلهاش الصرف .. عشان كده آبار نفسيتك طفحت .. يأس ..

كانت تقاوم ابتسامة خافتة تحاول التبرعم علي شفاهها الغضة .. 

- متدين بطريقتك .. انت حتتفلسف ؟؟ .. هو دين واحد .. قالب واحد بتلبسوه .. كلام واحد بترددوه .. حاولت البسه زيكم .. بس مطلعش علي مقاسي .. منفعنيش ... تقدر تقول : حاولت اني ابقي متدينة .. بس الدين نفسه مقبلنيش ..

كانت تتحدث بأسي .. ناظرة إلي السماء المارة في الخلفية علي اطراف اصابع سحابها خشية أن تدفعها للتعجيل بالسقوط .. 
واستطردت .. بعد تنهيدة مغوية .. 
- أنا لو كنت مكان ربنا .. كنت مش حخلق الانسان عشان اعذبه في الدنيا وادعي اني بختبره عشان في النهاية اوديه يا سعادة علي طول يا شقاء علي طول .. حستفيد ايه لما اقضيها تجارب ؟؟ ... 
تأملتني لحظة في صمت متوقعة انزعاج مني .. او ردة فعل انفعالية .. ولكني لم اهتز .. فقط ابتسمت بهدوء ..
كنت اري الامر يجاوز الشبهة الفكرية .. كعادة الملحدين في بلداننا .. ليست منطلقاتهم منطلقات فكرية واشتباه عقائدي او تساؤلات ذهنية بحتة ..
كنت المح وميض الغضب .. اري مثالية وشفافية .. رفض للشر في الكون .. كطفل مملوء بالبراءة لا يحتمل رؤية صغير آخر يبكي ..

كطفل اجبر علي اطفاء التلفاز اعدادا ليوم دراسي بالصباح .. فأخذ يبكي ويتأفف . ويردد لأباه : اكرهك ..

- علي فكرة أنا مش كافرة .. أنا بس معرفتش انفذ الدين .. معرفتش اكون مسلمة زي المفروض ما أكون .. عجزت اني اعمل اللي ربنا طلبه مني .. معرفتش امشي علي القرآن ..

خرجت مني ضحكة عفوية رنانة .. ممزوجة بسؤال استفزازي :
- عارفة انت هنا ليه ؟؟!! .. عشان كده ..
عشان فكرتي ان الدين وصايا .. وشفتي القرآن منهج تنفيذ .. حاولت تحشري نفسك في قالب (الملتزمة بالقياس) .. الصورة المتداولة عن الملتزمة ..
عمرك ما حاولتي تشوف الموضوع بشكل مختلف .. تشوفي القرآن .. كأنه كتالوج كبير للنسخ البشرية .. كتيب التركيب والاستخدام للنفس اللي ربنا حاططهالنا .. البوم كبير .. البوم مقدس نازل من المصنع .. فيه كل النوعيات اللي خرجت واللي حتخرج من المصنع ده .. مواصفات كل واحد .. وازاي بيشتغل ..
لأ .. وكمان طرق صيانته ...
عارفة مشكلتك مع الدين يا مروة .. مش مشكلة في الدين .. ولا في الوجود .. المشكلة انك لخبطتي بين نسختك ونوعيتك اللي في الكتالوج ده .. مع نسخة تانية خالصة ..
فبالتالي هنجتي ..
النسخة بتاعتك مش بتشغل السوفت وير اللي انت حاولتي تنفذيه علي نفسك عافية .. نسختك مش بتدعم الابليكشنز اللي انتقتيها من القرآن ..

الدين ده واسع اوي .. والقرآن ده رحب جدا ... المشكلة اننا مش بناخد من المصدر مباشرة .. وكأننا شايفين اننا اقل من أننا نقطف من الشجرة .. وكأنها مش بتاعتنا .. وكأننا محتاجين اذن حد .. محتاجين حد يفسرلنا .. وحد يشرحلنا .. وحد يوعظنا .. ويخطب فينا .. ويدينا درس .. وكأن الدين منطقة محظور الدخول فيها لغير العاملين ؟؟!!!
وكأننا محتاجين حد يدعونا .. ويربينا .. ويترجملنا الرسالة ..؟؟!!
رغم انه نازل ليكي وليه .. مباشرة من غير وسيط .. من غير شروح وتفسيرات ..
القرآن مش نازل عشان نفسره .. ونشرحه .. لا بالعكس
القرآن نازل عشان هو اللي يفسرنا .. ويشرحنا ,..

كانت عيناها تلمعان ببريق جديد .. يرتفع احيانا حاجباها المصبوبين بعناية واعجاز رباني فوق عينين زرقاوين يشبهان البحر في عمقه .. واغواءه ..  ويشبهان السماء في لا نهائية الغرق نظرا في امتدادها ..

- كلمني اكتر .. عاجبني الحوار  ......
استطاعت ابتسامتها أن تنتصر بالافتراش علي شفتين ورديتين انهكهما الامتعاض ...

- بصي يامروة .. الجنة مش باب واحد .. والعبودية مش نازلة بمقاس واحد .. والدخول علي ربنا مش زي دخول المولات تتفتشي فيه ع الباب .. ومفيش حاجة اسمها مسلم مطابق للمواصفات القياسية كعلب العصائر ..
مشكلتك انك مشيتي وسط الزحمة .. حاولتي تخشي من نفس الباب .. وتلبسي مقاس عبودية مش مقاسك ..
ما أخدتيش القرار الجرئ أنك تلبسي المقاس المناسب .. وتعبدي بطريقتك .. وتشوفي ربنا وحكمته واحكامه بعنيكي انت .. مش بعنين حد .. ونسيتي ان قلبك هو شيخك ومعلمك ودليلك في الحيرة والتوهان .."استفت قلبك .. ولو افتوك"

اخدتي فتاويهم .. وحاكمتي روحك وقلبك بمعاييرهم .. بل وصل بيكي الامر انك في النهاية تقتصي .. بأنك تحاكمي افعال ربنا .. بمعيار افعالنا .. وتوزني حكمته المطلقة في خلقه بميزان المخلوقين العاجز الناقص بعجزهم ونقصهم ولا محدوديتهم ..

كانت تهز رأسها بحنو .. مع همهمات التفهم .. يتطاير شعرها بفعل الهواء المتآمر مع الهوي حول عينيها فترفعه في مؤامرة هوي وهواء  لاسقاطي فيها .. قبل أن تسقط هي من الشرفة ...

يتبع في الادراج التالي .....

الثلاثاء، 28 فبراير 2012

انتحار (1 .. seeing your (ONE) just before death 1


- واقفه علي سور البلكونة في الدور الثامن .. وبتغني .. الحقها بالله عليك .. انت الوحيد اللي ممكن تتعامل معاها 


هكذا اخبرني حبيبها صارخا في الهاتف ..
لم اكن اعرفها من قبل ..
بعد ثلث ساعة وجدتني بجوار باب البلكونة .. والأهل محتشدين بالأعلي .. والمارة محتشدين بالأسفل ... 


كيف بدأ الأمر ..
رن جرس هاتفي بإلحاح غريب من صديق قديم قدم البراءة داخلي ... 
ربما نسيته .. كما نسيت تلك البراءة .. 
وربما هما نسياني .. 


- بص يادكتور دي مسألة حياة او موت .. أنا حب حياتي عاوزه تنتحر ... محدش عارف يقنعها .. محتاجك تكلمها 
في البداية ظننت أن الأمر مجرد هاجس .. وصل إليه .. وبالغ فيه بحبه لها ... 
حتي تأكدت أنه يعني أن ذاك حادث الآن .. 
هي الآن تقف علي سور البلكونة في الدور الثامن بشقتها .. وتهدد الجميع ان فتح احدهما باب الشرفة ... ستعجل بإلقاء ذاتها ..
فقط ينبغي عليهم جميعا أن يصغوا لها ..
بدأت تخاطبهم .. تروي لهم قصصها المتوارية .. تغني احيانا .. تضحك بهستيرية .. وتبكي حينا .. 
تطلب منهم الاتصال بشخص ما .. ثم آخر .. حتي انتهي الأمر إلي حبيبها ..
الذي اتصل بي بدوره حين عجز تماما عن مجرد اقناعها بأن يدخل عليها الشرفة ليتحدثا ..


- اشمعني انا يا محمد .. أنا مش طبيب نفسي  ...
كنت احاول الهرب من تلك المجهولة .. 
كعادة الجميع .. لم يكن مظهر اعضاءها المتناثرة علي الطريق ليترك لي انطباعا جيدا غدا ..؟؟!!!


- عشان انت .. اكتر حد اعرفه خبرة بالألم .. صديق للمعاناة .. انت اكتر حد تقرب من الشياطين .. والتصق بالعبث والفراغ واللاجدوي 
- يا سلام .. ؟؟!!
- ببساطة يا دكتور .. انت اكتر حد اعرفه انتحر قبل كده كتير ...!!!!


وفي دقائق وجدته ينتزعني من المستشفي .. ويذهب بي إلي بيتها ..


اليعون كانت معلقة بي .. المارة حول بيتها .. أهلها .. 
كانت الطريق تفسح بانسيابية غريبة بين اكتظاظ الاجساد حول مشاهدة انهيار انسان ..
شعرت كأني مسيح مخلص .. ساحر منتظر .. 
ذاك الغريب الذي يسحبه حبيبها .. ويمر به سريعا نحوها ..
الكل كان يتمتم بالدعاء .. أو الاستغراب .. أو التساؤل عن ماهيتي .. 
- مين ده ؟؟!! .. معالج روحاني .. ولا منوم مغناطيسي ..
- هو الواحد في حالة زي دي ممكن يتصل بمين ينجده .. لا مطافي ممكن تطفي وجعها .. ولا اسعاف ممكن تداوي جرح الدواخل .. 

هكذا اظنهم كانوا يتمتمون .. 

اخترقت الاجساد .. وعلي مقربة من الشرفة .. افقت ..
- طب انا معرفش اي حاجة عنها .. قوللي اي حاجة عنها .. ايه اللي مخليها عاوزه تموت .. فيه مشكلة في ارتباطكم ..
هكذا سألت حبيبها .. 
ورد الجميع 
- لا يابني .. المشكلة في دماغها .. هي بتفكر كتير .. مكتئبة .. معدومة الأمل .. مش زعلانة من حد معين .. دي زعلانة م الدنيا .. وبعدين عندها وساوس بخصوص ربنا والوجود والخلق وكده ... 

يا الله .. لهذا اذن اختاروني أنا .. 
اصبحت في الفترة الأخيرة ملاذ ذوي الوساوس .. والشكوك .. 
طبيب الملاحدة .. والمدمنين .. 

- طيب استأذنكم مساحة بس كده عشان اعرف اكلمها .. هي اسمها ايه ؟؟
 - مروة .. 
رد احد المشاهدين في مداخلة غير معلومة المصدر ..

اقتربت من الشرفة .. كانت الافكار مزدحمة في عقلي .. 
كانت جميلة كحلم في نهايته .. رائقة البشرة بشكل عجيب .. وكأني رأيت في مرآة وجهها حياتي القديمة ..
عيناها تلمعان بخيط رفيع من الدمع .. ممزوج بنظرة شجن .. لوم للكون .. عتاب للاشيء .. بل لكل شيء ..
علي وجهها كانت ابتسامة مريرة .. ابتسامة التهكم المختلط بالتألم .. 
وكأنها تبتسم في محاولة لتوازن أوجاعها .. حتي لا تسقط الآن ..

شعرت بمجرد النظر في وجهها .. انها لا تهدد .. انها تعني ذاك فعلا ..
هي فقط تنتظر ان تلقي وصاياها الأخيرة .. عتابها المدوي ..
هي تريد ان تترك للكون صفعة عتاب ..

هي كانت اجمل من أن تموت .. لم استطع تصورها ممزقة علي الاسفلت الحضاري القاسي .. 
كانت متزينة كعروس .. غزيرة الشعر .. يفرقه هواء الشرفة الثامنية .. في مشهد سينمائي .. مؤلم ..

- تعرفي يا مروة .. ياما كان نفسي اقابل غريب .. اي حد غريب احكيله عن حاجات مش قادر احكيها .. وبعدين اقتله ... بس كويس انك هنا .. علي حافة الموت .. وكمان معرفكيش .. فممكن قبل ما تنطي .. تسمعي مني حكاياتي اللي مش قادر احكيها لأحبائي .. وبعدين تاخديها معاكي للقبر .. عشان انا تعبت اوي من شيلها ..

هكذا بدأت احدثها .,. لم اناديها .. لم اسلم . لم اقرأ ايه قرآنية .. 
- بعد اذنكم يا جماعة ... ممكن تسيبوني شوية .. مكانكم هنا مش صح .. انتم هنا في المحطة .. مروة حتبقي تحت قبل ما توصلوا الدور السابع .. حد بس ينزل يشيل العربيات من تحت البلكونة .. مش حيبقي موت وخراب ديار ..

ارتفعت همهمات التعجب .. وارتفع سؤال صامت .. (انت جايبلنا مجنون .. ولا واحد يستعجلها .. دي حتنتحر مش حتولد ؟؟) .. رفعت صوتي بهذا السؤال الذي لم يتمكنوا من قوله .. وقرنته بغمزة خافتة وايماءه إلي صديقي .. الذي حمل الجميع للخارج .. 

- جربتي تشربي سجاير ؟؟!! .. اوعي تكوني حتموتي قبل ما تجربيها ؟؟!!
كانت صامته منذ بدأت عباراتي الصادمة .. توقفت عن حكاياها .. عن معاتبتها لكل شيء .. عن ندبها .. عن غنائها ..
وفجأة لمعت عينها دون خيط الدموع ..

اخرجت علبة سجائر مستترة في جيب سترتي .. سجائر الطوارئ كما اسميها .. سجائر الاحباط .. 
فأنا اكتب علي علبة السجائر تاريخ شرائها .. ثم اشرب سيجارة واحدة كلما كنت محبطاً ..
واراها في اخر كل شهر ..
نعم هي مقياس احباطاتي .. وذاك الشهر كنت محبطا بمقدار سيجارتين ..

- دي بسميها سجاير الاحباط .. انا مش مدخن .. بس بشرب سيجارة واحدة كل ما الدنيا تضايقني .. الشهر ده الدنيا مديونالي بسيجارتين .. وادي التالتة .. محبط دلوقتي .. مش منك .. لأ .. من اي حاجة في الكون .. خلت ملاك زيك ... يمشي بدري 

- والله مش بهزر يا مروة .. اوعي تكوني حتموتي من غير ما تجربي .. 
بيقولوا انك كده كده داخله النار .. عشان بيقولوا انك حتموتي كافرة .. فبجملة يعني .. اوعي تكوني حتخشي النار .. وعمرك ما شربت سيجارة .. ولا دقت طعم الفودكا .. ولا بوستي شاب حليوة من بقه ؟؟
اصل يعني دي تبقي بواخه طحن .. انك تخشي النار .. من غير رصيد ..
عارفه ساعتها ابوجهل حيشغلك عنده في النار .. صبي ..

كنت اتحدث ولا انظر إليها .. اخرجت سيجاره .. واشعلتها وبدأت اسحب دخانها في بطء ..

- علي فكره .. انا اول مرة اعرف ان الانتحار بيموت الفضول .. يعني مسألتنيش انت مين بسلامتك ؟؟ .. واشمعني انت اللي بتكلمني ؟؟ .. ولا تلاقي طاقة فضولك كلها متوجهة نحو ما ينتظرك علي الجانب الاخر من الحياة .. ما بعد الموت ..
تفتكري في ايه الناحية التانية ؟؟!! 




....... يتبع في الادراج التالي