الأربعاء، 12 يونيو 2013

التعادلية الانفعالية


ربما هي ما سعي إليه الفلاسفة .. والأنبياء .. والمصلحين .. بل ما سعي إليه الإنسان في كل مراحل تطوره .. 
تلك الحالة من السكينة التي ذقناها للحظات جميعا .. واستطاع آخرون أن يبقوا عليها ويختفظوا بها ويوقفوا الزمن عندها ..
سماها ابيقور الاتراكسيا .. حالة السكينة المجردة من الانفعال .. 
وسماها بوذا النيرفانا .. 
وسماها الصوفية حال الفناء في الله .. بغياب شهود ما سواه حتي العبد نفسه ..

تلكم الحالة من التعادل الانفعالي .. فلا حب ولا كره .. لا غضب ولا حزن .. وكذلك لا سرور ولا فرحة .. 
الانفعالات حالات مؤقتة .. كيمياء زائفة .. 
إنما التعادلية هي الحالة الاكثر ا\ثباتا إن فقهناها .. 
التعادلية ازاء الأحداث الكونية بأسرها .. امام كل المواقف الحياتية .. امام الاشياء والاشخاص .. 
لا حب ولا كره .. لا انفعال .. 
يمكننا القول أنها غاية العبودية .. وكأن انفعالاتنا كلها .. طاقة القلب بجميعه توجهت لله .. فلم يعد لديه مزيد طاقة ليحب غيره .. لذا وإن خامره شعور الحب كان خروجا من حب الله .. تفريعة صغيرة لشجرة حب الله .. لذا سميت الحب في الله والبغض في الله .. 

يلخص الله هذه الحالة من التقبل الكامل لكل احداث الكون وظواهره ومواقفه واشياءه وشخوصه .. في آيات بسيطة الظاهرة عميقة شديدة عمق الباطن .. قادرة فعلا علي تغيير حياتك ومزاجك ومشكلاتك بأسرها .. 

"وعسي أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسي أن تحبوا شيئا وهو شر لكم" 

وتلكم هي المرحلة الأولي .. أن يحدث الانفعال منا .. الحكم العاطفي علي الأشياء .. ولكن يختار الإنسان تجاهله إيمنانا بالحكمة الخفية .. والعناية الغيبية .. حتي في خضم الفرح نلمح هنا بصيص حذر خفي بعدم الإفراط حبا وسرورا لربما كان خفي الغيب يحمل من نفس ما أحببنا ما نكره ونحذر ..
المرحلة الأولي .. مرحلة القبول للنقائض .. استشفاف الحكمة القدرية في خلفية الأحداث .. وتجاهل الانفعال الزائف فينا ..

"لكيلا لا تأسوا علي ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم"
وتلكم هي الغاية القصوي .. والدرجة الكبري .. اعتاد القلب علي تجاهل الانفعال والتمسك بخفي الحكمة واللطف والتقدير .. فلم يعد ينفعل .. اصبح كالريشة بين يدي رياح القدر الحاني يوجهها حيث يشاء .. كسفينة بلا دفة عائمة بين أمواج العناية الخفية ترسو حيث شاءت الحكمة ..  
حالة التعادلية التامة .. يأتي ما يأتي ويذهب ما يذهب ... القلب كجبل في المحيط .. ينفعل علي سطحه من الموج ما ينفعل .. والعمق ساكن ثابت لا يهتز ,,
حالة غياب كامل عن شهود ما يحدث .. غياب كامل عن الكون بخلائقه وأحداثه .. ع\غياب كامل في الله وحكمته ..
ولا عجب .. فإن الكون مخلوق .. محدث .. مجبول علي التغير .. فمن اتصل به وارتبط به وقامت عليه انفعالاته .. فلابد أن يكون مثله مضطربا .. متغيراً .. متوتراً ..
والله القديم الأزلي المطلق .. الخال الموجد الذي لايجوز عليه التغير .. ولا تطرأ عليه الحوادث .. فمن اتصل به .. وارتكز في وجوده عليه .. واستمد منه كينونته .. لا عجب ألا يهتز .. ألا تصيبه عمق روحه الحوادث .. وأن يفيض ذلكم الثبات المستمد من ثبات المولي علي انفعالاته فتسكن .. 
وتلكم هي حالة الاتصال الكبري بالله .. فناء الانسان عن كل شيء .. حتي عن نفسه .. فناءه عن كل ما سوي الله .. فكيف به تعتريه الانفعالات الزائفة ..
بل إنه يفني حتي عن تلك اللذة التي تمنحه إياه هذه الحالة .. وهي ليست لذة انفعالية زائفة .. إنما هي احدي حواس الروح تتفتح .. لا تمت لحواس الجسد ل\بصلة .. ولا يملك لها العقل وصفاً ..

فاللهم ادخلنا عليك .. وخذ بنواصينا إليك ..


الجمعة، 7 يونيو 2013

الإسلام ليس ديننا (1)ـ .. Islam is not our religion



من أين ابدأ .. ابدأ بأن أقول ان ما هو آت ليس نسقاً مرتبا ..إنما حالة اعتقادية اتمني أن تصلك خرزاتها علي تفرقها فتنتظم في قلبك وروحك عقداً يتلبسك يافتي .. أتمناك تموت علي هذا .. وتلقي الله علي هذا .. وتتعبد لله في الكون بهذا ...

* إن الله لم يختر اسماً لأياً من شرائعه الخاصة .. أو رسالته المنزلة علي أنبياءه .. ولم يدمغ ملصقاً أو عنواناً لأياً من الرسالات الإصلاحية التي حملها الأنبياء علي مر التاريخ لشعوبهم .. اقصد لشعوب الله ..
إنما من اعطي الأسماء هو الاتفاق العام .. محض الاتفاق .. الذي لم يكن هناك غضاضة في استعماله حتي في الشرائع التالية ذاتها ..
فاليهودية مثلا لم يسمها الله بذلك .. إنما يوماً حين قالوا إنا هدنا إليك .. قال عنهم الذين هادوا .. فسموا يهودا .. وسميت يهودية ..
ولكن ذاك الاسم لم يكن معمولا به في تلك الشريعة ذاتها .. ولم يستعمله موسي وإنما استعمل من بعده دلالة علي اتباعه ..

وإن مشكلتنا الحقيقية الحالية هي مشكلة أسماء ومسميات ... لا مشكلة تصورات أو اعتقاديات فعلية ..

والمسيحية .. لم يطلق عليها ربها هذا الاسم .. ولم يرسل عيسي عليه السلام حاملا دمغة المسيحية .. فقط جاء بدين الله .. ثم اطلق علي اتباعه من بعده اسم المسيحيين .. كاتباع عيسي ...
تماما كما اطلق علي اتباع ماركس .الماركسيين .. وعلي ايدولوجيته الماركسية .. والكل يوقن أن ماركس لم ينزل كتابا بعنوان الماركسية يشره فيه اتجاه الفكري وإلا لألقي في المزابل .. وإنما أخرج فكره مجرداً من ذاك الاسم الذي خصص به اتباعه بعده ..

إن الدين عند الله ليس نسخاً versions .. يحدثها الله كل فترة من الزمان كويندوز .. يوما ميلينيوم .. ويما اكس بي .. ويما فيستا .. ويوما سفن .. ليس يوما يهودية .. ثم ينزل بين طياتها ترقبوا الاصدار الجديد لدين الله المسيحية ..
وهو ليس طبعات منقحة من تشريع كتابي يتلافي فيها أخطاءاً حاشاه سبحانه ..
وليس كذلك مجموعة من الطرق .. والتصورات المتابينة وان اتفقت في الغاية النهائية والمبادئ العامة .. تحمل كل طريقة اسم ممثلها وشيخها ونبيها .. فتلك الطريقة الموسوية .. وتلك عيسوية .. وتلك محمدية ..

والأهم من ذلك كله .. إن الدين الذي آتي به محمد .. لا يسمي الإسلام ..
أو بوجه أدق .. ليس الإسلام هو دين محمد وأتباعه  خاصة ..
الإسلام ليس ديننا ..
ليس نفياً عن كوننا من اتباع الإسلام .. بل نفيا لانتماء الإسلام إلينا .. نفيا لاختصاصنا به .. نفيا لاتباع الإسلام لنا ..
نفيا أن يكون الإسلام هو دين محمد وأتباعه .. وغيرهم ليسوا مسلمين ..
بمعني ليس ديننا وحدنا .. إنما دين للبشرية جمعاء .. وليست أمة الإسلام وصفا يطلق علي طائفة دون غيرها .. إنما علي كل بشري .. عفواً بل وغير بشري..

إن الإسلام هو الاسم الوحيد الذي اطلقه الله علي دينه .. علي رسالته للبشر .. علي التصور السليم للحياة .. علي شريعته ..
الإسلام هو الاسم الذي اطلقه الله علي حالة الاتصال به .. والتلقي عنه .. والإيمان بما أرسل به أنبياءه علي مر العصور ..

فبالتالي .. ليس من حق اتباع النبي محمد صلي الله عليه وسلم وأنا أشرف بكوني منهم .. ان يستأثروا بالوصف وحدهم .. ويمنعوه عن خلق الله ..
"إن الدين عند الله الإسلام " "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه"
الإسلام هو معني الدين عند الله .. هو ما يتقبله الله من البشر ولا شيء غيره .. هو التصور الوحيد المقبول من قبل السماء .. ولكن هذا الإسلام ليس بعينه الرسالة المحمدية دون غيرها ..
الرسالة المحمدية هي الإسلام والمسيحية هي الإسلام واليهودية هي الإسلام .. وليس الإسلام هو الرسالة المحمدية بعينها .. أو المسيحية بعينها .. او اليهودية بعينها ..

الرسائل السماوية لم تكن ترجمات للإسلام ذاك .. او تدريجا نحو التنزيل النهائي .. أو النسخة الأخيرة منه ..
إنما جميعها كانت وسائل للوصول إلي تلك الحالة حالة الإسلام ..
فلم يكن موسي وشريعته وكتابه واليهودية إلا وسيلة لادخال البشر في دين الله .. وسيلة لإحالتهم لحالة الإسلام .. لا مسمي الإسلام ..
ولم يكن عيسي وشريعته وكتابه دعوة إلي ديانة بعينة .. أو تحديثاً للشريعة الموسوية أو نطاقاً جديدا من التدريج .. إنما فقط وسيلة لادخال جموع أخري من البشر إلي حالة الإسلام تلك ..
فليس الإسلام لقب يرفع علي أحد أو ينزع منه ..
ليس كارنيها يوجب لك دخول الجنة .. ويمنع حراسها كل من لا يحمله ..
الإسلام حالة اعتقادية مدوية الأثر .. فاعلية تصورية مميزة .. ليس قولا أو اثنين .. ليس شعائر حركية .. أو التزامات مالية .. أو اتباع تشريعي لشريعة أو لغيرها ..
إنما كل ذاك وسائل إحالة لتلك الحالة ..
لتلك المظلة التي يدخل تحتها الكثيرين دون اعتبار لخانة الديانة .. ويخرج منها الكثيرين دون اعتبار أيضا لخانة الديانة ..
إن السماء لا تلقي بالا لمحافظكم وبطاقات هوياتكم ..
بل إن السماء لا تعترف بأسماءكم ذاتها .. فاسماءكم لم تكن إلا استحسانا من ذويكم لنغمة صوتية وحرفية بعينها الصقوها عليكم ليميزوكم عن غيركم لتسهيل الحياة ..
أما الله فحاشاه أن يطلق عليكم الأسماء .. أو يحتاجها ليميزكم .. "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير "
وكذا تلك الخانات الأخري في بطاقات هوياتكم .. بل صوركم .. وأجسامكم .. أموالكم .. مكاناتكم ..
السماء لا تعبأ إلا بقلوبكم .. لا ينظر الله إلا إلي قلبوكم وأعمالكم ...

إن الإسلام هو الجامع .. الرابط .. المآل .. الجوهر .. الحقيقة النهائية .. لكل الرسالات ..

الأخلاقي .. واللا أخلاقي


ذلك ما كنت اعتقده واحياه من قبل .. حتي في ذروة التزامي الديني لم تتغير نظرتي للأخلاق ..

كنت أري الأخلاق نسبية تماما .. بل اراها احيانا حماقة مستترة .. نزق وهبل .. تمسكم باللاشيء .. بل كنت ادعم نظرتي للأخلاق بتأويلات دينية حول نسبية الصدق والكذب في الأسلام .. نسبية الحب والتعددية .. نسبية الوفاء ... 

كنت أري ان اللاأخلاقية لا تتعارض بحال مع الاتصال بالله أو الحياة الكريمة .. فإن الله لم يدعنا إلي أخلاقية منطلقة أو مثالية .. إنما دعانا إلي مايترتب عليه الفعل الأخلاقي من نفع أما إذا وقع منه ضرر او خسارة فلا بأس بالفعل المضاد .. ذاك ما كنت أراه .. 

لا اتذكر أني عشت يوما واحدا كائنا أخلاقيا .. أو أني فعلت فعلا واحداً للخير في ذاته .. كنت نفعيا في أخلاقية مقنعة .. ونفعيا ايضا في لا أخلاقية بوهيمية مستترة .. 
اعشق الفوضي والسنكحة والبوهيمية .. امرء بلا ثوابت ولا مبادئ .. لم يكن لدي ما اتكئ عليه ابدا .. إلا في احسن حالاتي وهو ايمان بالله .. ولكنه كإيمان الحجاج بن يوسف .. ولكني كنت اتجرد من إيماني في كل فعل لا أخلاقي اتيه .. وكانت الحقيقة ان كل افعالي هي في النهاية لا أخلاقية .. ولايزني الزاني وهو مؤمن .. ولا يسرق السارق وهو مؤمن .. 

لذا لم يكن إيماني أو التزامي طويل العمر ابداً .. كان هناك شيئا ناقصا في منظومتي .. ولكني كنت ارفض ابداً أن اعترف أنه الأخلاق ..

كنت محبا لنيتشة .. وهاوس .. معجبا بفرويد ... متيما بالخيام .. وبودلير .. مشدوها ببيكاسو .. ودالي .. 

كنت أري شيئا ساحرا في الفوضي واللاسلطوية (الأناركية) .. شيئا ما يجذبني في اللانظام واللامبدأ والعدمية.. كنت احلم بفوضوية إيمانية ... وأني يكون لي هذا ؟؟!

إلا أن الله يأبي أن يتم الإيمان دون التناسق الذاتي .. ويأبي أن يكون التناسق دون الأخلاق .. الأخلاق المثالية المحضة .. أخلاق بلا نفعية ولا سببية .. 
أخلاق .. كارما .. مثل .. مطلقة .. 

لا أدري كيف .. ولكن قد بدأت الأخلاق تتسرب إلي داخلي ببطء .. بدأ يتشكل داخلي جنين من ضمير .. جنين عجيب اشعر بوخزاته اللذيذة .. 
اصبحت صادقا لمجرد الصدق لا لأحصل علي تعاطف أو مكسب قريب .. اصبحت وفيا لمجرد الوفاء فصار الحب أجمل كثيراً بالوفاء .. اشعر بتحرر من الآثار المترتبة علي الفعل فليكن ما يكون أنا سأفعل ما ينبغي أن يفعل .. وتلك لذة أخري .. مرحلة عجيبة من النمو الانساني لم امر بها من قبل .. 
الأجمل من هذا .. أنني لم اعد أري عناءا في الفعل الأخلاقي .. لا اري فيه جهاداً .. وكأنه صار مني .. نتيجة منطقية لمنظومة الإيمان الكلية الشاملة .. فصار الفعل الأخلاقي يقترب من الفعل الآلي اللاارادي داخلي ..!!!

العجيب كل العجب ..
أنني صرت اسعد . .. اكثر راحة .. واستقرارا ..

فلتحيا الأخلاق .. وسأفتقد البوهيمية القديمة ..

ابحث الآن عن اسما جديداً .. 
فلم تعد السنكوحية تليق بي ..