الأحد، 29 يناير 2017

الحبكة الربانية

- س/ 
الدنيا معاندة معايا أوي يا دكتور ! 
بحاول بكل طاقتي وعمرها ما بتفتحلي الفرصة أبدا .. 
.
حاسس إن أنا طاقة معطلة .. مهدور في مكان ضلمة مهما عافرت فيه مفيش صدي للي بعمله .. 
ماليني شعور بانعدام الجدوي .. 
واحيانا .. انعدام القيمة .
.. 
عارف يا دكتور .. حاسس إني (موجود .. مجاني) !! 
.
 .
- ج/ 
دعني أخبرك سرا .. ربما يخالف ما اعتدت أن تسمعه مني في جلساتنا .. 
وربما لم أكن لأقوله لغيرك .. فلم أعتد أن أعلب الوهم لأصدقائي فقط ليشعروا بشعور جيد ..! 
.
 
لن احدثك عن تغيير عدسة نظرتك للحياة .. ولن أغلف لك هراء التفكير الإيجابي .. ولن أجلس معك نثرثر حول طرق أخري للحصول علي فرصة ! 
.
فأنا أعلم أنك قد استنفدت ما بوسعك يا صديقي .. 
 
وأحيانا أندهش من كون مثلك مدفونا رغم امتلائه معطل الطاقة محروم من الفرصة !
ولكن أتدري يا فتي .. مهما حدثتك عن السعي والإيجابية ومسئولية الإنسان عن افعاله وموقعه في الحياة .. لم تزل بقعة في نفسي تأبي إلا الإعتراف بأقدار الله !! 
.
 
مهما رددت أحاديث من قبيل الحرية الإنسانية المطلقة وقدرة الإنسان علي تغيير مقامه الوجودي .. ستبقي منطقة متوارية من نفسي تدرك أن لقدر الله تروسه الخاصة .. المختبئة هناك في كواليس المسرح الظاهر .. تعمل كما يريد لضبط الآداء الكوني العام ! 
.
 
أتدري يا صاح .. إن هناك أرواحا يأبي الله إلا أن يتولي تشكيلها وتربيتها .. ليستعملها كما يشاء !
إن هناك أرواحا قد اختارها الله لنفسه .. فلم يتركهم لأنفسهم .. 
وانتقاهم لأدوار بعينها فلم يتركهم لانتقاءاتهم هم !! 
.
 
دعنا نغلق جهاز التسجيل .. لأخبرك سرا خارج النص وخارج العلوم وشاردا عن المهنية والعلمية والمنهجية الطبية .. 
.
دعني أخبرك أن الله يغلق بعض الأبواب عمدا .. ويسد بعض مخارج الضوء قصدا !! 
تماما كما يدفن أحدنا بذرته عميقا في الارض ويواريها عن عين طائر أو تنقيب مفترس .. 
بل يواريها عن عين الشمس .. ويبقي يسقيها كما يشاء ! 
بل احيانا يلطخ تربتها ببعض الروث ! .. كسماد يقوي نسيجها المرتقب يوما !! 
تدفنها تحت التراب والروث .. لأن نماءها يكمن هنا !
.
 
وكلما تعمق دفنها .. كلما منحتها جذورا أقوي واعمق واثبت .. لئلا تقتلعها الريح يوما أو يلوي جذعها جفاف يحل بالمحيطين .. 
إن الله قد يمنع الضوء عن بعض عباده لئلا يحرقهم تبكير التعرض له ..
.
دعنا نقوم في مقاماتنا حينما تنقطع منا حيلة السعي وتنغلق كل مسارات الأسباب بغرابة قدرية محكمة .. 
.
دعنا نستلقي كتلك البذرة في تربتها .. تحمل طاقة الحياة  معطلة تحت قشرتها .. تركز فقط بقبول كامل في محطتها الحالية .. 
تكون جذورها وتمد أركان ثباتها .. وترضي بمساحتها من الوجود بعد استنفاد الوسع ..
.
قال حكيم قديم ( مقامك حيث أقامك ..
لا تطلب من الله ان يخرجك من حالة ليستعملك فيما سواها .. 
 
فلو اراد لاستعملك من غير اخراج !!) 
.
دعنا نكتفي بعلم الله فينا .. 
إني لأجد سلوانا في آية نسمعها كثيرا ولم نمنحها ما يكفي من التأمل .. 
 
هي ربتة ربانية علي كل ذي جمال مهدور .. وكل صاحب أمل عالق وامنية مبتورة واحلام متمردة علي التحقق ..
(وأن سعيه سوف يُري) !!
.
 
إن مسعاك لم يخف عن عين الله .. وبذلك المستميت لم يخرج عن علمه .. ولا شيء بخزائنه يذهب هباءا ! 
.
 
فارض بمساحتك الحالية من الوجود .. فلربما كان كل الخير فيها .. وكل الافتتان والسقوط والحيرة والضياع في غيرها ..
وكن جميلا بمكانك .. 
.
(
واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا )
.
 
والآن دعنا نعيد الضغط علي زر التسجيل .. ونعود للمسار النفسي ..





انت عارف احنا بنبقي عاملين ازاي وقتها .. 

زي اللي اتفرج علي أول مشهدين من الفيلم .. وشاف ازدهار الشرير ومعاناة البطل .. فقام يسب ويلعن ويزمجر .. في أول مشهدين بس !!

لم يدرك الفتي حينها أن باقي الحبكة لم تتضح بعد .. وكافة التواءات الدراما الحياتية لم تظهر لعينيه بعد .. 
ولو كانت الحبكة مكررة متوقعة لاستحق المؤلف الذم لقصوره الابداعي ... 

لذا ينبغي أحيانا ان تبقي بعض القصص ملتوية الحبكة معقدة الدراما .. لا يستطيع أي من المشاهدين أن يتوقع المشهد القادم .. أو يتنبئ بالنهاية .. 
فهم يعلمون أنهم قد بذلوا نقودهم لثقتهم في ابداعية المؤلف المتفردة .. وأنه لا يكرر نفسه .. وأن نطاق ابداعه أكثر اتساعا ورحابة من أقصي تخيلاتهم .. وربما تجاوز حبكته المتقنة منطقهم المعتاد .. 

فالناس اثنان (بعد استنفاد الجهد) .. واحد يلعن المؤلف من أول مشهدين .. وواحد يبتلع غضبه ثقة في الصورة الكاملة وتوخيا للحكم علي مجمل الحبكة والدراما ..




ما الفرق بين الكشف الرباني وبين الخيالات والهلاوس النفسية

اول قواعد الكشف وخرق العادة والكرامة هو هذه (ألا تغير طبيعة التكليف .. بمعني ألا تزيد اليقين ولا توجه الفعل والسلوك الانساني ..
أي أنها قد تأتي كبشارة أو مثوبة .. لشخص قد استقر اليقين في قلبه .. ولم يعد يؤثر به الرؤية ..
لأنه لو كانت بتدخلها تزيد يقينه أو تغير توجهه .. لبطل التكليف .. لأنها تقدح في العدل الرباني الذي يقتضي حرية الانسان ومسئوليته عن افعاله ..

لذا فاحد قواعدها عند القوم كما قال الصحابي (لو انكشف الحجاب ما ازددت ايمانا )

وهكذا في حق من تجري علي يديه الكرامة او تنكشف له الحجب ..
وكذلك في حق من يشهدها ..
فلو كانت تؤثر في تكليفهم وتوجههم نحو توجه بعينه وفعل بعينه لتركت مظلة الكرامة نحو مظلة المعجزة والآية التي يجريها الله علي يد الانبياء تدعيما لنبوتهم ..
لذا تجدين مثلا ان الكرامات من اكثر الامور الشائكة في التراث بين منكر ومثبت ..
لان من يشهدها لا يكون العامة كمعاجز الانبياء ..
لانه كما قلنا لو تدخل الله بفعل من فعله يؤثر في تكليف قوم بعينهم دون غيرهم فيدعم توجههم او يمنعهم عن غيره لسقط التكليف وانتفت الحرية والمسئولية وما يترتب عليه من ثواب وعقوبة .. وذلك قدح في العدل ..

اذن القاعدة الاولي في الكشف والكرامة وخرق العوائد (ألا تغير من مناط التكليف لصاحبها او من يشهدها )

وربما شهدها من ليس علي ذات يقين صاحبها .. فتكون عليه بلاءا وفتنة واختبارا .. فلا يستطيع تفسيرها بالولاية أو بغيرها من الفراسة ..
وتلك لا تتطلب اليقين في الشاهد لانها لا تزيل مناط التكليف .. فهي في ذاتها تحتمل تأويلين .. وبالتالي فهي في ذاتها اختبارية ..
ومن هذا النوع (من شهد كلام المحدثين والذين يقرؤون الواقع والخبايا .. فتحير بين المكاشفة والفراسة والذكاء)

وبناءا عليه ..
فالمكاشفة لا تكون لمدعي وزائف وغير متحقق ..
بل هي من لوازم مقام اليقين ..
فإن حدثت لخال أو غير متحقق فهي محض تخيل وتوهم او تخييل شيطاني ليزل به القدم ..

القانون الثاني في المكاشفة والذي يفرقها بشدة عن خيالات المرضي والمخابيل ..
أنها لا توافق هوي النفس ولا توائم رغباتها ومخاوفها .. كسائر الضلالات النفسية ..
ولذا فرق القوم بين المكاشفة وبين تخييلات الشياطين ..
فتجدي احدهم يذم رؤية رآها تخبره انه قد رفع عنه القلم فليستحل ما يشاء ..
فيعلم انها محض تخييل نفسي ووسوسة شيطانية .. لأنها توافق رغبة نفسية .. او تخالف تشريعا ربانيا ..
فالله لا يخالف في كشفه ما اقره في تشريعه ..

وهكذا فرق النبي مثلا بين نوعي المنامات ..
الرؤية من الله نورانية بيضاء واضحة .. وتسويلات النفس وحديثها واضغاثها وتداخل افكارها ..
وهمزات الشيطان وتخويفاته ووساوسه ..

واخيرا .. فلا يوجد مصاب بالتخييلات النفسية المرضية يكون متزنا في غيرها ..
بل ان التخييلات النفسية هي جزء من نسق مرضي .. يتكون من تشوه التفكير ولا منطقيته .. واضطراب السلوك .. وخلل المشاعر والوجدان ..
فلا نجد سويا يصيبه الهلاوس في العادة ..
ولا نجد فصاميا خاليا من الاصوات والهلاوس ..


لذا فبرؤية النسق الانساني الكامل للشخصية يمكننا باريحية ان نفرق بين الكشوف وبين الخيالات النفسية والهلاوس السمعية والبصرية ..

واني لأؤمن ان ليس كل من تحدث بكشف فقد صدق في كونه كشفا ..
الا ان اجتمعت له القواعد الثلاثة


١- اليقين له ولمن شهدها فلا تغير مناط التكليف .. وتنفي العدل والحرية
٢- الا توافق رغبة نفسية ولا توائم خوفا بشريا
٣- ان يكون سويا عاقلا فيما عداها
posted from Bloggeroid

لا يعيقنك الإخلاص !

ان احد مداخل الشيطان لترك العبادة هو القدح في نيتها أو ادائها .. فيقعدنا عنها .. !
يأتينا الشيطان فيعظنا !
يصنع لنا نموذجا مثاليا ابتداءا من نية متجردة واخلاص ممتنع التحقق ..
يأتينا ليدغدغ ادمغتنا بنموذج رابعة العدوية وعبادة الله لاستحقاقه لا لجنة ولا لنار .. أو بدرجة اقل لا لنفع ولا لدعم ولا لتوفيق ولا هربا من تعثر دنيوي او بلاء ولا رفعا لمقت .. انما الطاعة للطاعة !

وذاك وهم مركب ..

نعم .. هذا النموذج المثالي هو الاولي والافضل والخير والمستحسن ..
ولكن ليس لمن يسير لله أعرجا كسيحا .. ليس لأولئك الذين التحقوا لتوهم بسلوك طريق القرب ..
فإن الله قد جعل منطلقات العبادة لتحفيز خلقه نفعية في الدنيا والاخرة .. فأخذ يعدد منافعها في الدنيا وعللها ومردوداتها ويرغب فيها عبرها .. ويرهب من الترك والعصيان ببيان سلبية آثاره في الدنيا والآخرة ..
فمن يتمرد علي هذه الطريقة الربانية في معالجة النفوس والتي تناولها الصانع للنفوس نفسه .. لم يصبه من وهمه سوي القعود والتخلف ..

بل ان السائرين إلي الله جعلوا مقام الاخلاص مقام عزيز متأخر من مقامات السير إلي الله .. ليطمئن منا القلب .. فهذه الدافعية التفعية التي نتقوي بها عما قليل تنضج اكثر .. ونتمكن من الاخلاص ..
أما من راهن علي الاخلاص والتجرد منذ البداية .. فهو كطفل متدرب للملاكمة يود ملاقاة بطل العالم في الوزن الثقيل في مباراة في يوم تدريبه الأول !!

نعم نحن نسعي لاخلاص وتجريد .. ولكنه تماما ككل شيء في هذه الحياة وككل شيء متعلق بهذه النفوس .. لا يتأتي عفوا وجزافا .. إنما ينمو مرحليا ويتم تحصيله عبر سعي وأطوار ..

فلا تجعل الإخلاص عائقا عن الفعل لعدم تمكنك الكامل منه .. وكن متسقا مع نواقصك متصالحا مع طبيعتك صادقا مع ذاتك بما يكفي لتدرك صبغة المرحلية في الطريق نحو الله .. وكذا نحو الحصول علي قلب سليم .. وكذا نحو التعافي .. وكذا بكل شيء ..

وحطم هذا النموذج المثالي ااذي يقذفه الشيطان بذهنك تثبيطا وطلبا للممتنع مرحليا .. ولا تراهن علي الحماسة الانفعالية النورانية فيك .. فهي ككل حماسة عما قليل تفتر .. ولا تستعلي علي كيفية معالجة النفوس كما عالجها خالقها ببعض التحفيز النفعي .. وعبر العصا والجزرة .. وعبر اسالة لعابها ببعض المردودات والجزاءات المرتقبة ليسهل عليها ترك الاشتهاء العاجل ..

يمكنك ان تقرأ عن تجربة والتر ميتشيل .. تجربة المارشميلو .. لتدرك طبائع النفوس التي لا تترك اشتهاءا عاجلا الا عبر نفع مؤجل .. بل قل من يتمكن عبر هذا النفع المؤجل من ترك الاشتهاء العاجل .. فكيف بمن لا يمني نفسه الكسيحة سوي بالقيم والمعاني المجردة ..
سيهلك نفسه علي مذابح الاشتهاء .. وستصعب عليه الاستمرارية والمداومة .. وستكون رحلته موجية بين صعود وهبوط .. وفتور وحماسة ..في مكانه .. ولن يبرح نفس موضعه ابدا ..


الاخلاص غاية مؤجلة .. والتجرد أمل مستقبلي .. نضعه في موضعه فلا يعيقنا في مراحلنا الابتدائية من تنقية النفوس ..

فافهم
posted from Bloggeroid