السبت، 19 نوفمبر 2011

تحرر من الاعتماد علي العمل


    " من علامات الاعتماد علي العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل"  ابن عطاء الله السكندري .. الحكمة الأولي
    هي من اكبر المشكلات القلبية .. الاعتماد علي العمل .. تعلق القلب بالحركة والسكون والسبب والفعل .. هي لوثة من لوثات الدنيوية .. والمادية .. نوع من انواع الاعتماد علي الحس .. علي ما تراه وما تلمسه .. من تمكن عالم الشهود والمشهود من القلب .. من رجحان كافة الجانب الفيزيائي علي الجانب الروحاني في التصور ..
    الاعتماد علي العمل  احد مظاهر المادية .. احد مظاهر تشوهات التصور .. والتعلق بعوالم المادة .. وللتخلص منه لابد اولأ من اكتشافه .. من الغوص في النفس للامساك بمنطلقه .. بجوهره .. ولابد للغائص من خريطة .. من مظاهر .. ومعالم تمكنه من التقاط وجود الخلل في قلبه وتصوره ..
    واكبر مظاهر الاعتماد علي العمل هوتلك الحالة من اليأس .. من الركون .. من الجزع عند وجود خلل ما .. زلل ما .. عندما تخرج الأمور عن السيطرة .. يضيع الرجاء ..
    هي حالة الجزع التي تكشف ضعاف اليقين عند البلاء .. حالة الفوضي الحسية والتخبط وفقدان الهوية والاتزان عند نزول المحن الفجائية ..
    تتراوح تلك الحالة تبعا لثقل البلاء وتبعا لتمكن حالة اللايقين وتشوه الاعتماد علي العمل من القلب والروح والعقل ...
    اما المؤمن الحق .. صاحب اليقين وهو التصور الذهني القويم .. لا يعتمد علي العمل .. لا يتعلق بالأسباب والحركة الفيزيائية الكونية .. لا يعبأ بالقوانين الطبيعية .. هو لا هملها ولكنه غير متعلق القلب بها .. يعلم أنها ما انطلقت في مشوارها اليومي إلا في نطاق المشيئة .. وتحت كنف العناية .. وأنها لا تخرج عن مدي الإراددة الربانية المطلقة قيد أنملة .. وان الله هو المحرك .. والمسبب ..
    لذا فالصبر عنده صفة لصيقة في الرخاء والشدة .. فالقلب متعلق بمسبب الاسباب .. غير عابئ بالتغيرات .. فمن تعلق بالثابت ثبت عند التغير .. ومن ارتبط بالذي لا تجوز عليه الحوادث سكن عند نزول الحوادث ..
    هو يعلم ان من انزل النوازل قادر علي رفعها .. ومن احدث الحوادث بقدره قادر علي رفعها بلطفه ..
    لذا فأول توجهاته عند وقوع الزلل .. التمسك بالرجاء .. وصدق الالتجاء .. ووجود الدعاء .. والاجتهاد في طلب الصبر والفهم عن الله في الامتحان ..
    وعلي المقياس الاصغر .. تجري الحياة باسرها لدي الموقن .. اعماله الصغيرة .. خططه اليومية .. يعتمد فيها ربه ومولاه ومحرك الكون بارادته لا يعتمد علي عمله أو بشريته .. يبرأ من امكاناته ومواهبه وافعاله وحوله وقوته إلي حول الله وقوته .. فلا حول في الواقع .. ولا قوة علي الحقيقة . ولا قدرة في ابعاد الفهم الحقيقي إلا لله وبالله .. فيبرأ المؤمن من الاعتماد علي العمل .. ويعتمد فقط علي مدبر الأمر ..
    لذا فعند وقوع الزلل .. والخلل .. الظاهر أمام الادراك البشري القاصر .. لا يكون مجالا للجزع .. ولا يفقد القلب يقينه وثباته وسكونه .. فقط يركن إلي الجانب الثاني والجناح الموازي للتفويض وهو جناح الرجاء .. الالتجاء .. والدعاء ..
    ومن زوايا النظر إلي الحكمة هنا ايضا .. معني وجود الزلل في العمل القائم عند اتمامه ..  بمعني نقصانه .. عدم كماله أمام عين الفاعل .. وتلك ربتة رقيقة علي قلوب موسوسي الكمال .. أولئك المترددين علي اعتاب القرارات .. المرتعشين قبل الخطوات .. دائمي التامل والتدقيق والتنقيح لأعمالهم .. يا سادة إنكم تعتمدون علي اعمالكم ولو علمتم أن للا‘مال اقدارها الخاصة وان الكمال مقرون بأفعال الله وحده لأطمأنت نفوسكم إلي نقصان أعمالكم .. ولسكنت قلوبكم رضا بوجود بعض الزلل الملازم لتخطيطاتكم ..
    ولأخرجتم أعمالكم إلي الكون .. ولأامضيتكم قراراتكم في الحياة.. ولفلعتم ما في وسعكم .. ولن أقول ولتتركوا ما تبقي لله .. بل اتركوا الأمر برمته لله .. فإنه هو الفاعل حقاً ..
    اخرج صنيعتك .. وامض مع قرارك .. واسبح مع شغفك .. متعلقاً بالرجاء رغم الزلل .. متمسكاً بالالتجاء رغم النقصان .. معتمدا علي الله وحوله وقوته وارادته وقدرته .. غير متعلق بعملك .. بل غير مشاهد له .. إنما فانيا عنه .. غائبا عنه .. ناسيا جهدك .. متعلق بتوفيقه وعونه ...
    تلك سمة الموقن .. وتلك سمة صاحب التصور المشوه .. فانظر يا فتي اي الفريقين انت .. 
    التطبيق العملي :
    خلص .. وانجز .. ومتترددش كتير مع قراراتك .. دايما حتكون اعمالنا ناقصة .. وتخطيطنا عمره ما حيكون مثالي .. وقلب المؤمن مش معتمد علي تدبير بشري أو تخطيط بني أدمين او حتي قوانين فيزيا .. إنما معتمد بس علي ربنا .. علي المسبب والمكون .. والمحرك والمدبر .. عشان كده نزل افعالك علي ارض الواقع مباشرة حتي لو شايف انها لسه مكملتش ..
    لو في يوم كنت شايف الدنيا ماشية في سكة .. ومتوقع أنها مكملة بتتابعية علي سكة معينة .. ومرة واحدة ومن غير سابق انذار أو توقع انقلبت الترابيذة عليك .. واتت الرياح بما لا تشتهي .. ولقيت دنيتك رايحة في سكة مش متخطط لها .. أوعي تيأس أو تجزع أو تفقد اتزانك .. لأن السكك مش بتاعتك ..والعربية نفسها مش انت السواق الفعلي لها .. وفي النهاية حتي لو قطار دنيتك خرج عن قضبان تخطيطك فهو مش حيخرج ابدا عن قضبان عناية ربنا وارادته وقدرته وحكمته .. فلو لقيت الدنيا ضلمت واجراس الانذار بترن في قطارك سيبك من الفرامل والدواسات ونداءات الاستغاثة .. سيبك من الجزع واللماذا ؟ والصراخ .. وافتح بيبان قلبك ومد ايدك اقطف وردة رجاء من بستان اليقين .. وارمي دفتك في ايد الالتجاء .. واعرف ان مكنتش انت اللي سايق من البداية .. وانك مسكت الدفة بس عشان متكونش مقصر في حق الاسباب اللي انت مامور بيها .. لكن لما خلاص انتهت الاسباب وتلاشت البدايل اللي قدامك في ازمتك .. وانتهت استطاعتك في المجهود .. مبقاش قدامك غير انك تسيب الدفة علي وجه الحقيقة للي ماسكها من فوق بحكمته ... واياك تخاف ..

هناك تعليق واحد: