الأحد، 25 مارس 2012

مما قرأت .. (ماكيت)


معزوفة من روايتي "ماكيت" :



..................................






اذكر انها كانت تؤمن اننا لا نستخدم عشر طاقات حوانا الظاهرة .. لا نؤمن بعشر ماديتنا ..


اننا احيانا ننسي .. نغفل عن روعة تلك الحواس

 
تتأملها ..


كان لها في كل عادة حياتية وكل فعل يومي بسيط طقوس .. وشعائر .


نوع من الاحتفال بالحياة في كل صورها المتجددة فينا .. بالفعل .


نوع من الحضور الكامل بكل حواسها في اللحظة الحاضرة(الآن) .. والحيز المكاني (هنا) .. والفعل الحالي ..


وكأنها كانت تخرج من الحياة لتستمتع بالحياة .


وكأنها تقوم بعصر كل الحياة في اكسير واحد مركز .. هو الآن وهنا ..هو طقوس الفعل الحالي ..
وكأنها تتعبد لذاتها .. لمساحات نفسها الخفية .. بطقوس افعالها..
 
...............

كانت تضحك حين تراك تشرب قهوتك ساخنة ..تخبرك أنك حين تشرب قهوتك سريعا فأنت تفقد نصف متعتها ..

- إن الدخان المتصاعد من القهوة الساخنة لهو ربع متعتها .. أحيانا يكون تدخينه اشهي من سيجارة ..
 
تذكر انها قامت لتصنع لك حينها كوبا من القهوة .. لتعلمك من أين تشرب القهوة ..
اخذت تقرب انفها من الكوب الساخن .. وتتخذ شهيقا طويلا .. وانت تتأمل الدخان المتصاعد من الفنجان يتجمع وكأنه يلبي طلبها ..
تكتمه قليلا داخل صدرها .. ثم تفرج عنه .
 
- يالك من مجرم في حق دخان قهوة .. كيف بك تتركه ليذوب بالعدم .. .
 
كانت ترفض ان تحمل الفنجان من يديه الصغيرة .. وتسميه ذاك (شنق القهوة) ..
كانت تلف كلتا يديها حول الفنجان ..
وكأنها تستمتع بملمس جدار الفنجان الحار الناعم وحوله اناملها العشرة .. كانت تشرب القهوة وكأنها تحتضنها ..!!
 
كانت امرآة تشرب القهوة بحواسها الخمسة ..
امرآة حاضرة بكليتها حول قهوة .. متواجدة بعمق مع فنجان .. فكيف بها حول رجل مثلك ..!!
 
...............................................
كانت لقائتكما تدور دوما حول قهوة ما .. 
فهي كانت تري القهوة (المشروب الرسمي للعمق) .. وفي رواية آخري بعد بضعة اشهر همست بها في أذنك (المشروب الرسمي للعشق) ..
فمع القهوة يصبح الكل عاشقا افضل .. بل يصبح العشق ذاته اشهي ..
كانت تحيا بكل لحظاتها .. بكل جوارحها ...بصدق ..
والصدق لديها يتجلي حول قهوة ..
 
وكانت القهوة هي رشوتك الدائمة لها لتتحدث ..
لتكشفك اكثر ..
لتحملك في رحلة غوص داخلك ..
\لتعرفك كمرشد سياحي ..إلي ذاتك .. إلي معالمك الداخلية .. 
تدور بك في معابدك ومقابرك ...
 
اتدري ذاك الموقف حين ترتطم بشيء ما ..فيجرح منك الوجه .. حين لا تكون هناك مرايا قريبة .. فتلتفت إلي من بجوارك تسأله : 
كيف هو جرح وجهي ؟؟!!
وكأن من يري يمكن أن يصف خيرا ممن يشعر ..
من صاحب الوجه  .. وصاحب الجرح نفسه ..
 
وهكذا كانت عنايات ..
كانت مرآة دواخلك ... تفتح نفسك امامها .. تخلع اقفال سراديبك .. وتحطم ابواب دهاليزك السرية .. وتسألها أن تصف لك ما بداخلك ..
وكأنك تسألها لا شعوريا كمن ارتطم بالحياة :
- كيف هو جرح نفسي ؟؟!!!
 
............................................................
هي لخصته في لحظة واحدة .. وبجملة قصيرة ..
- اختار طريقه بدري ..!!
نعم هكذا حقا كنت تراه .. وكأنه ركب اول اتوبيس قابله ..وكأنه تزوج أول امرآة احبها ..
كانت حياته في نظرك حياة الضربة الأولي ..
حياة (تيك أواي ) .. أو (من ع الوش) ..
حياة لا تحمل عمق الخسارة .. والتكرار .. والانتظار .. 
لا تحمل جمالية العبث لسنوات .. والتخبط .. والتسكع ..والعدور وراء الاتوبيسات الراحلة .. بعد تفويتها عمداً ..!!
لا تحمل مذاق اكثر من فتاة ..
كنت تراه رمزا للانسان الصحي ... والحياة الصحية ..
انسان بالمواصفات القياسية ..
لا ينقصه سوي نشرة داخلية لدواعي الاستعمال والاعراض الجانبية ..
الحياة المغلفة بالسلوفان ,,
الحياة وفق خطة .. كمعاطف الأطباء خانقة البياض ..
الحياة المعقمة ...العقيمة ..
ان ذاك الجناس بين التعقيم .. والعقم .. ليس ابدا محض صدفة ...
 
 
..............................................
 
منقولات متفرقة من رواية ماكيت
19 يونيو 2008
 
اهداء إلي نملة
  

الأحد، 11 مارس 2012

خارج التغطية ... no signal


*  اضطراب ..بعض من قلق غريب .. حالة من الضيق .. شعور باللاجدوي .. بالعبث الكامن في حياتك ..
اذا كنت تشعر بهذا او بعضه .. فاعلم انك خارج نطاق الخدمة .. خرجت عن نطاق التغطية .. بشبكة الاتصال الأهم في الكون ..
انت غير متصل .. حاليا ..
من فضلك اعد تركيب شريحتك .. واعد تشغيل جهازك .. واضبط اتجاه الاريال ناحية الآخرة ..
حينها فقط سيزول كل الألم ..
ستنمحي الحيرة ..
you are out of range
unavailable
no signal        
so reinsert your spiritual sim card
and reboot 

 حينما تري نفسك كوحش ضاري يعدو في غابة من الوحوش .. في ازمنة القحط .. قليلة الفرائس ..
تعدو .. تتربص .. تعوي بطنك دائما .. 
تتسابق مع الوحوش التي تعدو حولك نحو غزال صغير .. 
فاعلم انك ايضا .. خارج التغطية ..


حينما تري الفقر يلمع امام عينيك كلما ادرتها .. الفقر هناك في كل ناحية يتراقص ..
تتمني كثيرا .. ولا تحصل علي شيء ..
تكسب كثيرا .. ولكنك لا ترزق شيئاً ..
وفارق بين كسبك .. وبين رزقك من ذاك الكسب ..
فمن غضب الله علينا ان يجعلنا نعمل .. ليرزق غيرنا .. ونبقي بالحسرة ..
ان يجري رزق المتوكلين علي ايدي الكادحين المتصارعين علي الدنيا .. 


حينما تري في يومك الاف الاهداف .. والواجبات .. ولا تحقق في نهاية اليوم شيئا ..
حين تتراكم عليك الأعمال .. وتشعر بتلك الحالة من الازدحام . النسيان .. التوهة .. فقدان التركيز ...
u feel crowded 
حين تشعر نفسك ممزقا بينك وبينك ..
بين اشيائك واعمالك وجوانب حياتك ..
بل حين تمزقك احلامك بتعددها .. 

اعلم انك غير متصل الآن .. لا تزال خارج التغطية ..



حينما تجد كل شيء يفسد فجأة .. ينهار كل ما تمسه يداك .. تخرج في كل لحظة عشرات الاعباء الجديدة ..
موتور المياه .. السيارة .. الكمبيوتر .. الموبايل .. 
حذائك .. اوراقك تضيع .. 
تبحث عن حاجياتك بالساعات ..
تشعر بأن هناك خللا ما .. نوع من الفوضي المقننة .. فوضي مقصودة بشكل ما ..
وكأن كل شيء ينهار عن قصد .. عن تخطيط ..
لافساد يومك ..


اعلم انك غير متصل .. انك خارج التغطية ..
اتصل بي ليقول لي انه يشعر بكل هذا ..
يسألني في جملة واحدة ما تفسيرك :
اجبته بعفوية :
" يابيه .. مفيش شبكة في الحتة اللي انت واقف فيها "


سألني بعفوية اكبر ..
اريد شيئا وحيدا افعله .. لينصلح كل شيء ..
قلت له :
اظبط الاريال علي الآخرة .. فقط فلتتجه ارادتك نحو الآخرة .. ينصلح كل هذا ..
إنما السير سير القلب يافتي ..
لا تحتاج كثير ركعات او تسابيح ..
فقط اظيط الاريال ..


ذاك بضمان حديث واحد ....


" من كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه .. وفرق عليه شمله .. ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له .. ومن كانت الآخره همه جعل الله غناه في قلبه .. وجمع عليه شمله .. وأتته الدنيا وهي راغمة .."


الهم يا فتي .. هو الأهم ..


اعد أرشفة همك .. في لحظة كرستالية .. بضع ثواني .. قف .. وارفع الاريال .. اعد تظبيط موجتك .. نحو الآخرة .. 
اظبط الجي بي اس الروحي داخلك .. 
نحو الآخرة ..


وفي ذات اللحظة ..
ينصلح كل شيء ..


تعود الهارمونيا إلي حياتك ..
وقتها فقط .. تحصل علي شبكتك .. وتكمل اتصالك .. 
ويعود إليك ارسالك ..





الجمعة، 2 مارس 2012

انتحار 3 .. SUICIDE (EP03)

اخدتي فتاويهم .. وحاكمتي روحك وقلبك بمعاييرهم .. بل وصل بيكي الامر انك في النهاية تقتصي .. بأنك تحاكمي افعال ربنا .. بمعيار افعالنا .. وتوزني حكمته المطلقة في خلقه بميزان المخلوقين العاجز الناقص بعجزهم ونقصهم ولا محدوديتهم ..

كانت تهز رأسها بحنو .. مع همهمات التفهم .. يتطاير شعرها بفعل الهواء المتآمر مع الهوي حول عينيها فترفعه في مؤامرة هوي وهواء  لاسقاطي فيها .. قبل أن تسقط هي من الشرفة ...


شردت قليلا مع دخان السيجارة المحتضرة ... تماما مثلها .. سيجارة علي سور الشرفة الفاصلة بين شفتي وشفا السقوط .. ربما كانت تذكرها بها ..
- مش لاقية سبب عشان اعيش .. ليه اعيش .. ليه اخوض التجربة الغريبة اللي اسمها الحياة .. معنديش اي حاجة تربطني بالدنيا .. تجبرني اني اصحي من النوم الصبح .. معنديش اي حاجة شداني لجوه ..ليه مسبش نفسي للاسفلت اللي تحت ده ..!!

منحتها بعض الصمت للحظات .. لاتمكن من استشفاف ماهية حديثها .. أهو سؤال .. أم تقرير .. أم ربما طلب خفي لاعطيها ما يكفي من الاسباب لتحيا .. ولكني لم افعل ..

- مش هو ده السؤال .. مش هل لديك ما يكفي من الاسباب للحياة ؟؟.. لأ السؤال اللي انا عاوز منك اجابة عليه .. هو هل لديك ما يكفي من الاسباب لتقفزي .. هل لديك ما يكفي من الاسباب للموت ..؟؟ .. هل ترين انك ستحصلين علي قصاص من الكون بارتطامك بالاسفلت ؟؟.. هل انت شايفه انك حتاخدي بتارك من الدنيا بفرقعه عضمك علي ارضها .. 
متقلقيش الارض مش حتتهز .. لن يقوم لك زلزال بالغد .. ومش حتخرج الكرة الارضية عن مدارها .. بل الاكتر من كده .. انه رغما عن احبائك لن يبقي صوت ارتطامك يدوي صداه بالآذان طوال العمر ..


انت عارفه .. انا لو مكانك ... وياريتني كنت مكانك .. كنت ححول غضبي ده .. وصوت ارتطامي الانتحاري المترقب ده إلي طاقة غير عادية .. طاقة حياة .. طاقة اللي ماشي في الحياة وهو معندوش حاجة يخسرها .. طاقة العائد من الموت .. طاقة من وقف يوما علي شرفة .. علي خيط بين الموت والحياة .. يحب الموت اكثر ولا يعبا بالحياة .. ولكنه اختار ان يدوي ارتطامه كل يوم بأذن الكون ..
كنت حخبط بصدي صوتي كل صباح .. مع اشراقة كل شمس بودان الدنيا .. كنت حخش كل يوم واحتك بكتف التقاليد الغبية .. كنت حكون نفسي لدرجة اني متزوقش عشانها .. لوكانت الدنيا مش قابلاني .. حكون كل يوم صوت نشاز يبرجل استماعها لهارمونيا القوالب اللي بتصنعها من الناس .. 
حكون لون فاقع .. ومش لايق علي فستان الحياة المرقع .. بقتل احلام البشر .. 
حكون ريحة خاصة .. نكهة خاصة .. نبرة خاصة .. 
حكون نفسي .. حدوق الحياة بطريقتي .. بلساني أنا .. 
مش حكون بني آدم معلب .. خارج من ميكنة الحياة .. قالب اجتماعي لطيف .. بالمواصفات القياسية .

لأ حشوف الدنيا بعينيا أنا .. واسمعها بوداني انا .. وافهمها بدماغي أنا .. 

يابنتي لو كنتي متضايقة من الدنيا .. صوت ارتطام واحد لن يثأر لبراءتك المغتالة .,.,
لأ .. اسمعيهم كل يوم صوت اراتطام جديد .. بهم .. وبها ..
خلي الكون يعرف ان زي ما الشمس بتشرق .. وبتنور ..كل يوم .. برده ليه معاد مع بني ادم بيكون نفسه .. بيتبع قلبه .. عايش معادلته الخاصة .. وماشي بصيغته .. بطريقته .. مخترع مذهبه هو .. 
له معاد مع جرأته .. كل يوم ..


.... وهنا ازداد بريق عينيها .. شعرت حينها انني وبعفوية استطعت صياغة ما عجزت عن قوله لنفسها .. انني بدأت أحل شفراتها .. وافك اكوادها المستغلقة .. اسلط الضوء علي مساراتها وزواياها المظلمة ..


- حسمحلك تدخل .. بس علي شرط تديني سيجارة  ... 
قالتها وهي تتأملني أنا متجاوزة السيجارة .. تحاول ان تغوص داخلي .. تطلع علي الداتابيز التي اقتبس منها حديثي .. شعرت وكأنها تحاول أن تفهم مني .. مالذي جعلني أموت عشرين ميتة قبل أن اقرر أن احيا .. 


- ومين قال أني عاوز ادخل .. ؟؟؟ .. أنا عندي مشكلة اسمها اكروفوبيا .. وهي فوبيا المرتفعات .. مش بدخل بلكونة بيتنا عشان انزل السبت .. عاوزاني ادخل بلكونة في التامن وفيها واحدة بتنتحر ؟؟!! .. يفتح الله .. 

قلتها بعصبية .. مستحضرا تلك البرودة السارية في يدي .. والشعور العاصف بالدوران .. واحساس مقبض بأن السماء تقع .. حين ألمح مرتفعا .. فما بالك .. بكوني فوقه ...!!!


ابتسمت بصدق .. ابتسامة حقيقية ... وكأنه سرها أن تجد لي نقطة ضعف .. وكأنها وجدت ثغرة لتسترد مني دفة الحديث  ثانية..
- طيب ايه رأيك أني اعقدك اكتر .. حعقد معاك صفقة .. انت حتخش دلوقتي وتقعد جنبي علي السور .. وانت بتكلمني .. عشان اقدر اصدقك .. عشان اقدر اصدق ان كلامك مش مجرد تنويم مغناطيسي أو حد مقنع جايبينه عشان يقنعني بالنزول ... وهو لا يهتم أموت أو اعيش .. والا حنط دلوقتي وقبل حتي ما تكمل جملة رفضك للصفقة دي .. واحملك ذنبي ؟؟!!


شعرت بجديتها في الطلب .. رغم الابتسامة الظافرة اللامعه فوق اسنانها الرخامية البيضاء .. 
كانت جميلة في قوتها تلك .. شهية للغاية وهي تمتلكني .. تضطرني للقبول .. 
مغوية في استغلالها لمكامن الضعف داخلي .. لتجبرني علي تحدي غرائزي ..

وجدتني في تحدي غريب .. ربما حركه داخلي تلك القطبية المستفزة بين رجل الانقاذ .. وامرآة مستغيثة ... انقلبت صورتهما .. لتصبح هي الأقوي ... 

- حعملها بس بشرط .. صفقة تانية .. حنتكلم في تلات حاجات .. لو اقنعتني بأن الموت فيهم اولي .. سأقفز معك .. ولو اقنعتك بأن الحياة فيهم اولي .. تعودين معي .. 


ارتفعت ضحكتها بطفولية عابثة مرددة :
- مجنووون .. والله جايبنلي واحد مجنون .. قال يعني انت حتنط فعلا لو غلبتك ..

قاطعتها في حزم :
- اقسم بالله العظيم يا مروة .. حنط معاكي مش بس لو اقنعتيني .. لأ حتي لو مجرد مقدرتش انا اقنعك انك تفضلي ... معايا ..

اقتربت من باب الشرفة الموارب بهدوء حذر .. ولكنها استوقفتني بسؤال .. خارج الاطار :
- مقولتليش .. هو انت اسمك ايه ؟؟!!

يتبع في الادراج التالي .............