الخميس، 29 سبتمبر 2011

رضا علي رضا


لأنها أجمل من أن تنسي .. من أن تسقط .. كما سقط منا الكثير والكثير في الرحلة ..
مما نحتاج إليه فعلاً ..
نقتني الأوراق .. والكتب .. والأجهزة ..
ونجمع بعض العملات القديمة .. والأغنيات .. وصور عائلية سخيفة ..
ويسقط منا في الطريق .. الكثير من المعاني .. تسقط سهواً ..
وأحياناً .. تسرق ..
وأحياناً .. نبيعها ..

المصيبة أن تلك المعاني والرسائل التربوية الربانية هي مفاتح مغاليق الطريق ..
لن تنفعنا الصور .. ولا كرامة لورقة .. ولا عزة لكتاب بشري ..
حين تعلو ألغاز الطريق ..
نبحث في جيوبنا عن وجه مألوف .. عن يد صديق .. عن حالة حياة .. 
عن تجربة حقيقية .. لا شخصية روائية .. أو عبث سينمائي .. 
فما بالنا نشكل عقائدنا .. ورؤانا .. وتصوراتنا في الحياة من الرواية السينمائية المنقوصة ..
ونغفل الصياغة الربانية لشخوص حقيقية تسير في الجوار ..

وهي كانت كذلك ..
رأيتها .. علي كرسي متحرك .. تدخل إلي قاعة الدرس في قسم أ حريم أمراض عظام .. 
أوحي إلي وجهها .. أنها تحمل أكثر مما ينبغي .. وأن ذاك الثقل في صدرها هو ما أقعدها في النهاية علي الكرسي ..
وأدهشني صفاء بسمتها ..
هي إمرأة خمسينية .. في نضارة فتاة عشرينية ..

مين حيناقش الحالة دي ياجماعة ؟؟ قالها طبيب يرتدي معطف ابيض .. أقصد معطف أبيض نبت له كائن بشري  ..
فإن الطب اثنان ..
إنسان يرتدي معطفاً .. ومعطف يرتدي إنساناً ..
فبعد كثير من العمل .. والعمل .. نكتشف أن قطعة القماش البيضاء التي نرتديها صارت أغلي منا ..


وتقاعسنا جميعاً .. لا أحد يقوم .. فلا أحد يعرف شيئاً .. كلنا جديدون هنا .. ومرت دقائق .. صامتة ..
وجذبتني إليها .. هناك شيء ما فيها .. في عينيها صفاء ملائكي ..
اقتربت منها .. لم أسالها عن شيء وجدتني فقط أمد يدي لأحتضن يديها المرتعشتين خوفاً .. فهي تعلم أنها ضحيتنا الجديدة ..
ففي المستشفيات التعليمية لا تدفع أجر علاج مادي .. وإنما تدهس كرامتك البشري .. وينكشف جسدك أمام أيادي الطلاب الجدد .. يهرسونه بفحص السذج .. المستجدين ..
الذين لا يعتبرونك إلا أداة ..
يزنوك بميزان حالتك ..
حالتك سكر .. منتشرة .. قديمة .. لا تساوي شيئاً ..
حالتك ورم سرطاني .. أنت تساوي الكثير .. نعم .. قدر درجات امتحان العملي ..


بالنسبة إلي طلاب الطب .. صلاحية الإنسان تنتهي بمجرد انتهاء الكشف عليه ..
بالنسبة إلي أنا .. كانت علاقتي تبدأ تماماً في ذاك الوقت .. بالمحتضرين ..

لماذا أجد في الإحتضار شيئاً يجذبني .. حد البكاء ..

أعود إليها .. اسمها رضا .. وحينها عرفت كيف أن لكم من اسماءكم نصيب ..
الحالة .. علي قائمة انتظار تغيير مفصل الفخد علي نفقة الدولة .. بعد التهاب مفاصل مزمن وقاسي أودي بمفصلي الفخد ..
السبب : ابنها يعاني من ضمور العضلات .. لديه الآن بضع وعشرين سنة .. وبالتالي فهي قدميه .. ويديه ..
وكرسيه .. وعجلاته ..
والضريبة .. فخديها ........................
ألم قاسي .. وتشوه عجائبي في الحوض ..
لقد عانت تلك المرأة كثيراً ..

أنا أعرف تاريخها المرضي ..
أما هم .. وطبيبهم .. فيعرفون تاريخ مرضها ..
وفارق بين تاريخها المرضي .. وتاريخ مرضها ..
وبعد أن انكبوا عليها ... الكل يداعب .ز ويسحق .. ويضغط .. ويندهش .. ويدون ..
قامت .. وفي عينيها اكسير التوسل قد انصب .. 
وصاحت .. طمني يادكتور .. هل سأعود كما كنت ؟؟
ولمحت هنا ابنها يدلف إلي الصورة .. ليغرق في طبقتين من الدموع احتلتا عينيها .. ويحترق مع احمرار خديها ..
ويختنق مع حشرجة صوتها ..

ويذبحني في حرقة .. تنبعث من كيانها المنتفض ..
وجدتني أنسكب نحوها .. انهمر ..
حملتها ..  وذهبت بها غلي سريرها .. وهي لم تتوقف عن البكاء ..
وهناك أدهشتني ..
روت لي حكايتها .. كاملة ..
وروت لي ما وراء الحكاية ..
توقعت أن أري تذمراً .. أن أري حتي تصبراُ ..
ولكني ما رايت إلا قمة في الرضا .. هي تحبه حب العاشقة ,, تهواه ..
لا يعييها من المكوث في المستشفي سوي بقاء ابنها بيعداً عنها ..


 هي تتبعثر ندماً .. أن يظن أنه هو السبب ..
ترجوني في سؤالها .. أهو السبب ؟؟ .. تريد أن تسمعني أقول لا ؟؟
لتقسم له أن ذاك رأي الطبيب ..

أحببتها .. وأحببته ..
وأحببت القدر معها ..
وانتهت فترة التدريب .. وانا أهواها ..

أزورها يومياً .. نتسامر طويلاً ..


ويوم الزيارة .. يوم تجتمع العائلات .. ويختفي الأطباء.. ذهبت لأراه ..
جميل هو كنجم سينمائي .. غاية في الوسامة .. شديد الرقة ..
عذب البسمة ..

تري ما الذي ذهب بي يومها .. ؟؟
نعم أردت أن تكتمل لدي الصورة


.............................................................................
.....................................................................
................................................................................................
..........................................................................
...........................................................................


يا إلهي .. أو تعرف هي ؟؟
أو يعرف هو ؟؟؟

ما تلك السكينة التي تملؤهما ...
كيف يمتلئان رضا ..
كيف لم يسخطا .. لم يتمردا .. لم يصرخا .. كالمتوقع بالنسبة إلينا ؟؟؟

كي يمتلئ وجهها نضارة بمجرد رؤياه .. وهي تعرف أن عنائها سيبقي به .. وسيزيد بعده .. وأنه قربما يمضي ..

إن الكتابة عن رضا كحالة درس العظام .. سهل للغاية ..

ولكن الصعوبة في مجرد احصاء كم المعاني التي سكبتها في نفسي .. ولا املك لها صياغة .. بل إن محاولة صياغتها افساد قاس لها ..

فقط كل ما يمكن قوله .. أنه قبل أن تحتشد في عقلك الحالات وتلتبس الأسماء .. ويقتل الطب فيك البشري ويحولك إلي مشرط .. أو ميكانيكي بشري .. ويتحول الناس إلي حالات واسماء متلازمات ..
كل ما يمكن قوله أن بالإنغماس مع البشر حتي النخاع .. وبالخروج من حافة الصورة السينمائية إلي عمق الواقع.. نجد ما يؤكد لنا أن هناك ابعاداً في الحياة .. ومعايير أخري للسرور .. وللسعادة .. وللسلام الداخلي ..

معايير أخري للنجاح .. واللذة .. 
معايير أخري للبياض ...

تلك إمرأة .. وكلمات قد لا تعني لقارئ خارجي شيئاً..
ولكنها عنت لي الكثير ..
كل ما أردته أن أدونها .. لأتذكر حين أطالعها يوماً حالة وضعتني فيها رضا ...


لم اشأ أن انخرط أكثر .. لأنني أعلم أن لتلك القصة فصول أخري قد لا يحتملها كيان خارجي ..
فتركتهم يعيشونها وحدهم ..
وأنا أشك .. أني وحدي أعلم .. 
النهاية ....  

 تم حذف أجزاء من النص لأنها يتنافي مع أخلاقيات المهنة "خصوصية المريض"

25/7/2010

السبت، 24 سبتمبر 2011

اذا كنا نموت



إذا كنا نموت .. فما الفائدة ..؟؟!!



لم يجمع الناس علي الإيمان بالآخرة .. بما بعد الموت .. بالباقي ..


ولكنهم أجمعوا علي الإيمان بالموت .. بفناء الدنيا .. بأن لا شيء يبقي ... ولما كان لا شيء يبقي .. فلا شيء يستحق ..





إذن فأنت كمؤمن .. من المفترض أن تكون الأرسخ إيماناً بتلك الحقيقة .. فلديك اليقين الدنيوي الحسي المؤكد بأن الموت قادم لا محالة .. في لحظة ينتهي كل شيء .. يتوقف الزمن .. لايعد لأوراق النقود حتي قيمة الورقة المطبوعة عليها .. فعند الموت لا قيمة ..


عند الموت لا ينفعك التشبث بشئ .. لا ينفعك ضمك لكف أحدهم .. فما من حافة بين الموت والحياة لتتشبث بها ..


الموت بعد آخر .. لاسبيل للمقاومة علي عتبته .. ولو لحظات ..


الموت لحظة ..


إن السكرات قدر آخر .. قدر من الحياة .. لا قدر من الموت ..






الفاني لاقيمة له .. لذا فالأحري أن يؤمن الملحدين بلاجدوي شيء .. بعبثية كل شيء .. فهم لايرون ما بعد الموت شيء .. لذا فليس في تصورهم هناك ما يبقي ..


ياله من تصور قاس .. لاشيء يستحق هنا .. ولاشيء هناك .. فعندهم لاهناك ..


فعقلائهم يتركون الدنيا .. ويلقون العالم .. ويبيعون الكون .. ولكن بلاشيء في الأفق .. يأس وقلق .. مجانية الوجود ..






فما بالك أنت .. أنت أيضا توقن أن لا شيء يستحق هنا .. ولكنك تتصور هناك ما بعد الموت .. حيث كل شيء .. حيث ما يستحق .. وما يبقي ... حيث للأرض ثباتاً تحت اقدامك .. حيث لا تخشي الغد .. بل حيث لاغد .. حيث الكل الآن .. حيث لا ألم .. لا ياس .. لا قلق .. لا خوف .. لا سواد ..


حيث النور يتجلي كيانات وكيانات .. حيث الاتصال بالمطلق .. والسباحة في سرمدية السعادة .. ولانهائية السلام ..






الله اعطي لك الدنيا لتعمر بها الآخرة .. نعمة الوقت .. فرصة للإدخار ..


فلو كانت الدنيا أقل لما استطعت أن تملأ قصورك .. وتعلي درجاتك ..هناك ..


وأنت تستخدمها في بناء عششاً واهية هنا .. وتعلي مكانات زائفة هنا ..


وتسوف التوبة .. وتؤجل العمل إلي وهن الشيخوخة .. ويغرك بالله الغرور .. وتدعي حسن الظن .. ولو أحسنت الظن لأحسنت العمل ...






إن الرباني لا يحيا في الدنيا وقلبه معلق بالآخرة .. فتلك صفة المؤمنين ..


بل هو يحيا في الآخرة مباشرة ..


الدنيا عنده خيال .. وهم .. وزيف .. عالم افتراضي ... تماماً كلعبة الكترونية يختار فيها شخصية ما يعدو ويقفز ويجمع .. هو يعلم أن ماريو لن يفيده بشيء إن وصل القلعة .. ولن يضره بشيء إذا قرصته السلحفاة ..


الدنيا عالم افتراضي خيالي زائف .. ليس فيها من الحقيقة سوي ذكر الله وما والاه كما قال الحبيب ..


فالرباني يعامل الدنيا كما يعامل اللاعب عالم ماريو الخيالي ..


إن كان لابد له من خوضها .. وممارستها .. واقترافها ... فهي في يده باسرها كذراع الأتاري القديم الصغير يملك به الطفل عالم ماريو ثنائي البعد العقيم ...


من لعب ميتال جير .. يزهد في ماريو .. ويضحك علي استمتاعه القديم بها ..


ومن لعب أساسين كريد يزهد في ميتال جير ... وهكذا .. كل بضع سنوات يمنحنا البشريون عوالماً افتراضية جديدة تزهدنا في العوالم الافتراضية القديمة .. تجعلنا نراها عبثاً وحمقاً ,..


تماماً كعوالم الأفلام الابيض والأسود القديمة .. والأكشن العقيم .. نضحك عليه الآن بعدما كانت ترتعد له القلوب حينئذ ..






فمابالك بكون حقيقي يصنعه لك الخالق المبدع الكريم ..


كيف تتضاءل عنده الدنيا .. تتلاشي ..


هذا إن كان مؤقتاً .. فكيف والديمومة قاعدته.. والتأقيت قاعدة اللدنيا ..


ويحك ... لو كانت الآخرة كالدنيا ولكنها تدوم لكانت أحق بالإيثار ..


بل لو كانت الآخرة أقل من الدنيا وتدوم .. لكانت أحق بالإيثار ..


.. فكيف والدنيا لا تساوي فيها شيء ..






بل لو كانت الدنيا تدوم لك ملايين السنين .. والآخرة تدوم لك للأبد السرمدي .. ما لانهاية ...


لكان شراء الآخرة أولي بالقاعدة الرياضية أن نسبة اي عدد إلي مالانهاية تساوي صفر .. ولو كانت بملايين السنين فهي للأخرة صفراً .. فراغاً .. خواءاً ..


فكيف وهي لا تمر لك سوي بضع سنوات تقضي أكثر من ثلثها نائماً ...؟؟!!






الناس نيام .. فإذا ماتوا انتبهوا .. كما يقول المصطفي ..


اتدري ما الدنيا إذن .. هي ذاك الحلم في تلك النومة ..


إنك في حلم الأمس غزوت روما .. وسيطرت علي قصورها .. واستيقظت اليوم لاتجد افطاراً ..


هل افادتك في واقع اليوم .. قصور روما التي غزوتها في حلم الأمس ..


ولن تفيدك في حقيقة الغد بعد الموت .. أعشاش القاهرة التي امتلكتها في حلم الدنيا الزائل ...






لتموتن كما تنامون .. ولتبعثن كما تستيقظون ..


اسأل نفسك دوماً .. إذا كنا نموت فما الفائدة ؟؟






فاعمل لما يبقي ..


لن اقول أكثر .......................................................


الاثنين، 19 سبتمبر 2011

بالأمس كنا ..


كنا أنقياء اكثر  .. كنا شفافين اكثر .. أتقياء أكثر .. ابرياء أكثر ..
كنا فقراء اكثر .. ولكننا كنا لا نعبأ أكثر .. ربما لأننا كنا لا نطلب أكثر ..
كنا نستيقظ من النوم نوقن أن ماهو مأكول اليوم سيؤكل .. وماهو مشروب سيشرب .. وماهو مرزوق سيأتي ..
فكنا نلتفت إلي ما هو لن يفعل إلا إذا فعلناه .. وهي القيام بحق العبودية ..

كنا أقوياء أكثر .. رغم أننا كنا مراهقون أكثر .. 
رغم أننا كنا أصغر سناً .. وأقل بناءاً عضليا .. واقل عشيرة ومكانة .. إلا أننا كنا نتحرش بالمخاطر .. لا نخشي في الله لومة اللائمين ..
كم ارتمينا أمام سيول الفجرة .. لاتهتز أجفاننا .. لا نرمق رمقة .. لا ترتفع حتي اصوات انفاسنا حتي لا يتهم الإسلام بلهاث رجاله ..
الآن حينما اصبحنا أكثر آمنا .. أكبر سنا وحجما ومكانة وعشيرة .. اصبحنا نفكر اكثر ..
والتفكير بضعة من الجبن ..

كنا أعفة أكثر .. رغم أننا كنا نشتهي أكثر ..
اتذكر حين كنا تعرض لنا فتاة تعجبنا .. كنا لا نغض البصر إلي الأرض كما نحاول أن نفعل الآن .. إنما كنا نرفعه إلي السماء .. ونقول لحوراء في الغيب تنتظر .. لحوراء تسجد داعية اللهم اعنه علي دينه .. كنا نبعث لها رسالة وفاء .. قائلا لن نخون .
نعم بالأمس كنا نغض البصر .... إلي أعلي ..
ربما أصبحنا أكثر تحرجا منها ومن السماء .. فنحاول أن نغض إلي الأرض الآن..

كانت همومنا أكبر .. ومشكلاتنا أكثر .. ورغمها كنا نبتسم أكثر ..
فقد كانت هموم الكون همومنا .. ومشكلات الأمة بأسرها مشكلاتنا ..
ولكننا كنا نجد وقتاً للابتسام .. نختلس وقتاً للقهقهة .. نسرق لحظات للدعابة .. من المخبر .. والشرطي .. ورجل الأمن ..

كانت قلوبنا غضة طرية .. كأنها جديدة لم تستخدم بعد ..
فكنا نحب أكثر ..



اتذكر ..

اتذكر فتي عملاقاً كان صديقي .. بل أخي ..
صديقي لدرجة أننا كنا نبكي سوياً علي كلمات أغنية تقول أنه في فؤادي ..
صديقي لدرجة أننا كنا نجلس كل يوم لا نحمل قرشاً واحدا نحلم بيوم زواجنا من صديقتين مثلينا .. في يوم واحد .. تماماً كأحلام الأطفال ..
صديقي نجحنا سويا .. وجاهدنا سويا .. ورسبنا سويا .. وعشقنا سويا .. وسقطنا من ركب الإسلام ..
ومن يومها لم نعد سوياً ..
وكأن الله وحده كان يجمعنا ..

صديقي .. عملنا معاً علي عجلة لبيع الأشرطة كانت تدر علينا ثلاثة جنيهات في اليوم ..
نقسمها علي ثلاثة .. لي واحد .. وله واحد .. وللحلم واحد ..
ربما انتهت صداقتنا يوم أن قسمنا مدخراتنا للحلم بيننا ..
واتذكر ..

واتذكر ..
في نفس ذات الوقت الذي ابحث فيه عن وظيفة اكثر مالا ... الآن ..
 منذ خمس سنوات ..
كنت ابحث عن الشهادة .. في سبيل الله ..
بكرامة اكثر ..
وسلام داخلي اكثر ..

واتذكر ..
في نفس ذات الوقت الذي تضحك فيه علي فيلم سينمائي .. الآن ..
منذ خمس سنوات ..
كنت ابكي علي اعتاب آية ..
بسرور أكثر ..
وفرح قلبي أكثر ..

واتذكر ..
كنت استيقظ من النوم .. لدي ما أحيا لأجله ...
وكنت أذهب إلي النوم .. لدي ما أعيا لأجله ..

كنت أحفظ اذكار النوم كاملة .. ولا اتمكن من اتمام واحد منها ..
لأن النوم كان يومها أقرب ..
واليوم .. يأتي حفنة من السحرة .. يلقون علي تعاويذهم للنوم ..
مع خمسة أشرطة للمنوم ..

ولكن الأرق أكثر ..



واتذكر ..
لم نكن نعبأ بالدنيا .. ولم نكن نكترث للحياة ..
ولكن كان عيشنا أهنأ ....

علي الهامش


هناك أناس يبقون يشاهدون الكون من النوافذ الشفافة ..
ينتظرون دائما أن يحدث شيء ما .. يتغير شيء ما . في الخارج ..
فقط ليشاهدوه ..


اناس يمعنون النظر .. ويقلبون الأمور علي وجوهها .. وأحيانا يخلقون لها وجوهاً جديدة ..
فقط ليقلبوها ..
ينظرون إلي الأمور بعمق .. وعمق ..
ويغوصون .. حتي ربما ينسوا يوماً كيف يصعدون إلي السطح ثانية ..


يزنون البدائل المتاحة .. يزنون ..
وأحيانا يخترعون مكاييل أدق ..
ليستمروا طوال أعمارهم يزنون البدائل ..


يعيشون الحياة ألف مرة .. بأحلام اليقظة ..
ففي الطريق إلي مقابلة ما .. تخرج في أذهانهم ألف ألف سيناريو للمقابلة ..
وقبل الوصول إلي مكان المقابلة .. ومللاً من أالف مقابلة في الطريق .. واعياءاً من كل تلك الأزمنة التي توالدت في أذهانهم ..
يتصلون هاتفياً للاعتذار عن المقابلة ..
عذراً ربما في وقت لاحق ..
أو ربما في خاطرة أخري ..


يعشقون الميكروباص .. والقطار .. والأتوبيسات ..
يحبون أن يجلسوا بجوار النافذة .. يصفعهم الهواء .. فهم يعشقون التفكير علي هذا الإيقاع المنتظم ..
يحنون إلي القديم .. إلي الطفولة .. إلي أماكن العشق الأولي .. وتفتح الذكورة والأنوثة .. وتبرعم الهوي ..


يحتفظون بكل شيء .. فربما احتاجوه في المستقبل ..
وبعد سنوات يلقونه في المهملات .. ربما علي بعد أيام من حاجتهم الفعلية له ..


أنا منهم ..


وهؤلاء خلقوا فقط ليكونوا كتابا..


فلا تحاولوا أن تكونوا غير هذا ...

الأربعاء، 14 سبتمبر 2011

مش مهم





- مش مهم
قالتها بعفوية وتلقائية .. قالتها بشفافية .. قالتها بصدق .. وحق .. .... كل ذاك مشوب ببعض الحسرة .. بل بكثير من الحسرة ..
ذاك كان ردها حين اخبرتها أن الدهان الذي ربما يحسن من شكل حرق ابنتها بعد الالتئام يساوي مئات الجنيهات ..


تلك كانت أسرة فقيرة .. تحيا في حي فقير .. ربما لا يسمع عنه أهل مدينته نفسه .. وربما لا يدري محافظ المدينة عنه شيئاً .. وهناك كانت المستشفي التي أعمل بها يوما في الاسبوع ..
جاءتني بابنتها لغيار تجميلي .. طفلة تسمي جني عمرها لا يتعدي ثلاث سنوات .. بحرق بوجهها وكتفيها وصدرها .. حرق يتجاوز ثلث جسمها .. منذ ثلاثة أيام ..
والسبب كوب من الشاي .. جذبت البنت طرف المفرش فسقط الكوب بلهيبه .. ليشويها الشاي ..


لحظة .. هي لا تساوي من الزمن الكثير .. جزء من الثانية .. لا تملك التحذيرات أن تمنع .. لا تقوي الاحتياطات أن تحد .. ولا يستطيع الطب أن يعيد الزمان ..
لحظة ينزل  بها البلاء .. يتسلل فيها البأس .. بغتة ... مفاجأة .. علي حين غرة من التناسي ..
ينزل ليهز الروتين الدوار .. ويرج ألفة التراتب الحياتي البغيض .. ويصدع رتابة الساقية المتسارعة ..
ينزل ليجبرك علي التوقف .. علي اعادة النظر .. واعادة التقييم ..
ينزل كتنزل الوحي حاملا معه معايير جديدة للأشياء .. ومقاييس حقيقية للأفراد ..


ينزل ليعيد تشكيل أولوياتنا .. ليذكرنا بأنفسنا وبمن نحب .. ليعلمنا أن الموت لحظة .. والمرض لحظة .. والحادثة لحظة .. والعمر بأسره .. لحظة


ينزل ليجعل مئات الجنيهات اللواتي كانت تساوي الكثير والكثير لدي أسرة ما .. لا تساوي شيئا .. في بورصة البلاء ..
البلاء بورصة .. تعيد للأموال حقائقها الورقية .. ورق .. وألوان .. لا شيئ ..
ينزل ليجعلها تقول عن أي ثمن مش مهم ..




البلاء الذي سمعت منه شابا عشرينيا يقول خذوا مني كل شيء وامنحوني ساعة واحدة بلا ألم ..
وفتاة تصرخ .. أفعل ما تريدون .. فقط لأنال ليلة واحدة من نوم هادئ ..
وعجوز يدفع الألاف ليمر بوله من انسداد البروستاتا ..
وأخر ليمر الماء من انسداد بلعومي .. وآخر ليمر الهواء إلي صدره بانسيابية دون أنبوبة بلاستيكية وجهاز معقد .. وسجن سريري ..
البلاء يعيد الحقيقة للأشياء .. يرفع عنها الزيف .. يجردها من التجميلات التسويقية ..


وآخرون يمرون من الدنيا هكذا .. كطيف .. كنسيم عابر .. لا بهم ولاعليهم .. عيشهم كفاف .. وبلاءاتهم خفاف ...
أصلحوا قلوبهم .. فأصلح الله لهم بالهم ..
قنعوا بالقليل .. فوقاهم الله الكثير والكثير ..


كان يقينهم .. أنه ليس كل الرزق منح .. وإنما بعض السلب هو عين العطاء .. وبعض المنع هو ذات المنح ..
وأن ليس كل رزقك ما كسبت وحسب .. وإنما هناك الكثير مما وقاك الله أن يحل عليك كنت لتقول في سبيل رفعه علي الألاف مش مهم ..
اليس ذاك رزقا أيضا ؟؟
هل لك أن تتخيل منته بالعافية مما اصاب غيرك .. وينفق عليه الآلاف وأحيانا الملايين ..
أليست تلك الألاف ادخارات ربانية لك .. منعها عنك .. ومنع عنك أيضا ما تحتاجها من أجله بحق من البلاء ..


" طوبي لمن كان عيشه كفافا وقنعه الله بما آتاه "
"صنائع المعروف تقي مصارع السوء "


"وكان أبوهما صالحا "
ساق الله يوما نبيا وصديقا ليقيما جداراً حتي لا ينكشف كنز فتضيع علي غلامين بعض الأموال .. لأن أباهما كان صالحا ..
أفلا يقيهم ما هو شر من ذلك بصلاح ذاك الأب ..؟؟






اللهم اجعلنا عبيد احسان .. ولا تجعلنا عبيد ابتلاء ..
فبعض الناس لا يستقيم علي طريق الله بغير البلاء ..




بقيت كلمتها ترن في اذني .. تعلمني أني أملك الكثير والكثير .. حتي بما لا أملكه ..
وأن لدي كل منا في حياته ما هو أثمن من أن يتركه ليقفز في ساقية الحياة .. ودوامة السعي الخاوي ..
وان أحيانا بضعة مئات من الجنيهات تساوي :
مش مهم