السبت، 11 مايو 2013

مغمض وماشي بالمقلوب .. (من وحي حكم ابن عطاء)

يقول ابن عطاء الله: اجْتِهادُكَ فيما ضُمِنَ لَكَ وَتَقصيرُكَ فيما طُلِبَ مِنْكَ دَليلٌ عَلى انْطِماسِ البَصيرَةِ مِنْكَ



اتعلم ذاك الشعور الصادق الذي يملأك احيانا .. بأن حياتك اصعب من أن تديرها بنفسك ..
قبل ان تحمد الله علي وجودنا .. ينبغي علينا ان نحمده علي وجوده هو ..!!
فدون الله لانتهي الأمر بالبشر جميعهم إلي الجنون أو الانتحار .. بل إن ما يحفظ علي الملحدين عقولهم هو تلك القيم الدينية الرقيقة التي تسربت إليهم في طفولتهم .. وذلكم الأمل النابض في خلفية اذهانهم أنهم ربما يوما يجدون البرهان ليؤمنوا ..

حين خلق الله الانسان .. لم يكن خلقه استعراض قوي وقدرة بخلق عجيب وتفاصيل معجزة . وإلا لربما خلقه وتركه .. إنما كان خلقا مسئولاً .. خلق عناية وربوبية .. خلق تولي وحنو ...

ترك له مساحته الواسعة من الإرادة الحرة ولكنه علم أنه محدود القدرة والصبر .. سريع الملل .. متعجل ... فتكفل بعنايته ببعض و؟ائفه الحيوية مثلا .. فلم يترك له تنظيم ضربات قلبه اراديا أو انفاسه أو هرموناته وإنما اعطاه بعض الآلية التي تتيح له الانشغال بباقي تفاصيل حياته ...

وهكذا ايضا تدخل بعنايته فكفل له رزقه .. وأجله .. مخففا علي القلب وطأة التدبير .. والتخطيط والانشغال الدائم المدمر بالغد .. رحمه من القلق حين اقسم "وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثلما انكم تنطقون"

لعن الله اقواما اقسم لهم الله نفسه ولم يصدقوه (الحسن البصري)

لم يصدقوه فانشغلوا بالتدبير والتخطيط والحسد والصراع علي لقيمات .. وربما الجشع والسرقة والحرم .. ولم يعلموا انها آتية رغما عنك كما هو أجلك ..

ولكنا نورد هنا بعض اللطائف :

* لنفهم منظومة الرزق (وهي منظومة تتداخل فيها الإرادة الحرة بالسعي والتدبير الرباني بالقدر) لابد أن نركز جدا مع المثال الذي ضربه لنا الله .. الرزق كما النطق ..!!
فكيف ينطق الانسان .. النطق هو عملية تقطيع وتنظيم وتلاعب (إرادية) بالاحبال الصوتية الحنجرية لعمود الهواء الخارج (شبه لا إرادياً) مع الزفير .. أي ان النطق هو عملية تحرش الإرادة بالآلية اللاإرادية ..
وهكذا الرزق يا سادة .. السعي والعمل ما هو إلا عملية تحرش ... وتنظيم وتلاعب إرادي .. بآلية الرزق والعناية والتقدير الربانية .. اي هو منظومة متكاملة لابد ألا نغفل احد طرفيها .. الإرادي واللا ارادي ..
* الرزق مكفول محسوب كالأجل في اجماله لا في اجزائه .. يعني مكتوب لك ومقدر لك عدد انفاسك العمرية المجملة .. عدد نقودك العمرية المجملة ..كنت دائما اقول لأصدقائي الأطباء الكادحين في مصر: لو مكتوبلك مليون جنيه ينفقهم الله عليك في عمرك كله .. فتسافر الخليج تاخد منها تعمل منهم نص مليون في خمس سنين .. يبقي فاضيلك نص تاني حتاخده علي بقية عمرك .. تقعد في مصر بوزارة الصحة تعمل عشرين الف جنيه في خمس سنين .. يبقي برده حتاخد باقي المليون فيما تبقي من عمرك .. رزقك كأجلك .. لا تموت نفس حتي تستوفي رزقها وأجلها .. ولو تبقت لك شربة ماء لما استطاع ملك الموت أن يقبض روحك دونها ...
لذا فاعلم ان رزقك في خزينة الله آمن كامل .. يرد إليك وتستوفيه بكل بنس وقرش ولقمة وشربة .. تأخر منه ما تأخر وتقدم منه ما تقدم .. فما عليك سوي السعي تنظيما لعملية السحب اليومية من خزينتك السماوية ..

* ليس رزقك فقط هو ما دخل جيبك .. نعم .. إن المفهوم الضيق للرزق وحصره في المال النقدي أو الطعام والشراب والمسكن ومتاع الدنيا هو اغفال احمق لأبعاد الحياة الانسانية الدسمة .. فراحة البال رزق .. وزوجة صالحة وعلاقة جميلة رزق .. صديق وفي رزق .. فكرة ممتعة رزق .. كلمة ثناء رزق .. إنما المال النقدي هو كسب محدود .. فلا تظن وانت تعد اموالك البسيطة في المساء أن رزق  اليوم كان صغيرا .. ولكن لتعد معها نعم اليوم .. نجاحات اليوم المعنوية .. ولتجعل علي راسها آمنك في بيتك وراحة رأسك علي مخدتك .. وابتسامتك لأهلك قبل النوم التي لم يحرمك منها اليوم أحداً ..

* وليس كل ما دخل جيبك رزقك أنت : .. نعم .. فإن أحيانا يسوق الله رزقا لغيرك علي يدك .. فمائة جنيه تدخل جيبك مكتوب فيها للسباك عشرينا !! ..


لذا فلتطمئن نفسك بكفالة رزقك وأمن خزينتك .. ووان في سعيك .. فلا تكدح كوحوش البرية مضيعا كل المعاني الجميلة في الكون سعيا وراء لقمة اليوم .. ولا تتقاعس عن تنظيم عملية التقدير بإرادتك (كتقاعس الانسان عن تقطيع حبل الهواء .. فيبقي صامتا بلا نطق حينا) ..
ولتسعي فيما طلب منك السعي فيه حقا .. وهو الاتصال بالله .. عبادته ومناجاته .. ذاك ليس مكفولا .. ذاك محط الإرادة فينا .. وهو منطلق الأمانة التي اخترنا حملها .. العبادة لله طوعا .. واختياراً .. العبودية من محطة المحبوبية لا القهر .. وحدنا في الكون مخيرون بين الإيمان والكفر .. والعبادة والجحود ..

لذا فإن اجتهادك فيما ضمن لك (الرزق) وتقصيرك فيما طلب منك (العبودية) دليل علي انطماس البصيرة منك ..
وكأنك مغمي عينيك .. وماشي بالمقلوب .. رايح  للرزق اللي جاي جاي .. وسايب الآخرة اللي لو فاتتك لفاتك كل شيء ..

 

ليست هناك تعليقات: