ربما هي ما سعي إليه الفلاسفة .. والأنبياء .. والمصلحين .. بل ما سعي إليه الإنسان في كل مراحل تطوره ..
تلك الحالة من السكينة التي ذقناها للحظات جميعا .. واستطاع آخرون أن يبقوا عليها ويختفظوا بها ويوقفوا الزمن عندها ..
سماها ابيقور الاتراكسيا .. حالة السكينة المجردة من الانفعال ..
وسماها بوذا النيرفانا ..
وسماها الصوفية حال الفناء في الله .. بغياب شهود ما سواه حتي العبد نفسه ..
تلكم الحالة من التعادل الانفعالي .. فلا حب ولا كره .. لا غضب ولا حزن .. وكذلك لا سرور ولا فرحة ..
الانفعالات حالات مؤقتة .. كيمياء زائفة ..
إنما التعادلية هي الحالة الاكثر ا\ثباتا إن فقهناها ..
التعادلية ازاء الأحداث الكونية بأسرها .. امام كل المواقف الحياتية .. امام الاشياء والاشخاص ..
لا حب ولا كره .. لا انفعال ..
يمكننا القول أنها غاية العبودية .. وكأن انفعالاتنا كلها .. طاقة القلب بجميعه توجهت لله .. فلم يعد لديه مزيد طاقة ليحب غيره .. لذا وإن خامره شعور الحب كان خروجا من حب الله .. تفريعة صغيرة لشجرة حب الله .. لذا سميت الحب في الله والبغض في الله ..
يلخص الله هذه الحالة من التقبل الكامل لكل احداث الكون وظواهره ومواقفه واشياءه وشخوصه .. في آيات بسيطة الظاهرة عميقة شديدة عمق الباطن .. قادرة فعلا علي تغيير حياتك ومزاجك ومشكلاتك بأسرها ..
"وعسي أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسي أن تحبوا شيئا وهو شر لكم"
وتلكم هي المرحلة الأولي .. أن يحدث الانفعال منا .. الحكم العاطفي علي الأشياء .. ولكن يختار الإنسان تجاهله إيمنانا بالحكمة الخفية .. والعناية الغيبية .. حتي في خضم الفرح نلمح هنا بصيص حذر خفي بعدم الإفراط حبا وسرورا لربما كان خفي الغيب يحمل من نفس ما أحببنا ما نكره ونحذر ..
المرحلة الأولي .. مرحلة القبول للنقائض .. استشفاف الحكمة القدرية في خلفية الأحداث .. وتجاهل الانفعال الزائف فينا ..
"لكيلا لا تأسوا علي ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم"
وتلكم هي الغاية القصوي .. والدرجة الكبري .. اعتاد القلب علي تجاهل الانفعال والتمسك بخفي الحكمة واللطف والتقدير .. فلم يعد ينفعل .. اصبح كالريشة بين يدي رياح القدر الحاني يوجهها حيث يشاء .. كسفينة بلا دفة عائمة بين أمواج العناية الخفية ترسو حيث شاءت الحكمة ..
حالة التعادلية التامة .. يأتي ما يأتي ويذهب ما يذهب ... القلب كجبل في المحيط .. ينفعل علي سطحه من الموج ما ينفعل .. والعمق ساكن ثابت لا يهتز ,,
حالة غياب كامل عن شهود ما يحدث .. غياب كامل عن الكون بخلائقه وأحداثه .. ع\غياب كامل في الله وحكمته ..
ولا عجب .. فإن الكون مخلوق .. محدث .. مجبول علي التغير .. فمن اتصل به وارتبط به وقامت عليه انفعالاته .. فلابد أن يكون مثله مضطربا .. متغيراً .. متوتراً ..
والله القديم الأزلي المطلق .. الخال الموجد الذي لايجوز عليه التغير .. ولا تطرأ عليه الحوادث .. فمن اتصل به .. وارتكز في وجوده عليه .. واستمد منه كينونته .. لا عجب ألا يهتز .. ألا تصيبه عمق روحه الحوادث .. وأن يفيض ذلكم الثبات المستمد من ثبات المولي علي انفعالاته فتسكن ..
وتلكم هي حالة الاتصال الكبري بالله .. فناء الانسان عن كل شيء .. حتي عن نفسه .. فناءه عن كل ما سوي الله .. فكيف به تعتريه الانفعالات الزائفة ..
بل إنه يفني حتي عن تلك اللذة التي تمنحه إياه هذه الحالة .. وهي ليست لذة انفعالية زائفة .. إنما هي احدي حواس الروح تتفتح .. لا تمت لحواس الجسد ل\بصلة .. ولا يملك لها العقل وصفاً ..
فاللهم ادخلنا عليك .. وخذ بنواصينا إليك ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق