الاثنين، 20 مايو 2013

نعم دقيقة .. ونقم ميكرسكوبية


اذا اراد الله لعبد خيرا .. رزقه الفهم عنه .. 
الفهم .. أن تري الحكمة تسبح في خلفيات الأحداث .. والعناية تتحكم في خيوط المواقف الحياتية اليومية ..
ان تدرك وتوقن ويتعمق لديك الشعورباصورة العامة والخطة الكبري والحبكة الروائية الدقيقة لمشاهد حياتك البسيطة .. 
المؤمن هو ذاك الذي نبع من ايمانه واتصاله بالقوة المطلقة المدبرة للكون كل افعاله .. بل وترجمته الفورية لحوادث الكون صغيرة وكبيرة .. 
ليس عند الله صغيرا وكبيرا .. إنما هي مقاييسنا نحن .. تمييزات عقولنا المحدودة القاصرة ..

إنما الله لا يعزب عن علمه صغيرا وكبيرا .. الذر والذراري عنده سواء .. لا يحتاج الله ليشحن قواه حتي يخلق جبلاً أو فأرا .. الكل واقع تحت طائلة كن .. فيكون .. 
المؤمن الموقن بتدبير الله للأمر كله .. والشأن بأسره .. وقيوميته علي الحياة بدقائقها الصغيرة .. وقفزاتها الكبيرة .. عنايته الشمولية الحكيمة في الكوارث الكونية .. وفي التعثرات الصغيرة لأرجلنا علي السلالم .. 

هكذا حقيقة الايمان ان تري يد الله تعمل في كل انفاسك .. ومن يومك في كل لحظاته .. 


ولكننا قصرنا في فهمنا عن الله بأنعامه وارزاقه علي النقود وبعض التملكات والمنح (الكبيرة في ادراكنا) .. وعجزعن الاحاطة بمفهوم نقمه إلا عن الكوارث والمصائب والبلاءات (الكبري في اذهاننا نحن)  المغيرة لهارمونيا الحياة العادية ..

والأمر اكثر اتساعا من هذا كثيراً .. 
فنعم الله قد تكون دقيقة .. بسيطة .. حد التغافل عن كونها نعمة .. أو التناسي عن احتسابها من رزق اليوم ..
فكلمة ثناء تحيل ارهاق اليوم طاقة هي نعمة ورزق .. ابتسامة طفل تنسيك همومك ساعة هي نعمة ولطيفة ومنحة وربتة ربانية .. نصيحة حانية توسع افاق نظرتك هي رزق .. طعام تستلذه لا ينغصه عليك قلق او توتر او ترقب او نقص بالملح او زيادته هو رزق علي رزق .. فليس طعامك وحده رزقا وإنما حالة تناوله .. ظروف مضغه .. بل سهولة اخراجه .. وبركة اشباعه كل اولئكم ارزاق فوق رزقه .. كوب الشراب دون شرقة هو رزق بالشراب ورزق بالحفظ ... فآلاف الخلق يموتون يوميا حول العالم من شرقة بلقمة .. 

اشارة تفتح لك سريعا .. حاجة حكومية تنتهي دون عناء هي رزق ايضا .. 


وعلي الجانب الآخر .. فكم نعاقب في يومنا بنقم دقيقة .. ومنغصات ميكرسكوبية تفسد علينا يومنا .. جهاز يتعطل .. سيارة تتخبط وهي واقفة في ركنتها بحيادية .. تعثر بسجادة .. الاشياء تنكسر من حولنا بغرابة ... هي نقم وبلاءات قد لاتري بالعين المجردة تحتاج إلي ميكرسكوب ومجهر البصيرة ليتطلع علي حكمتها الخفية .. ومستقبلات خاصة تري هزات الإفاقة الشفيفة وراء تلكم المواقف التافهة في نظر السطحي . 

فلتفهم عن الله .. ولتتصل به في كل لحظة ..
إن السير إلي الله ليس خطوات لمسجد .. وليست حركات صلاة .. فلا مسافة بينكما لتقطعها .. انما السير سير القلب .. والقلب يسير بفكرة .. بخاطر .. بندم .. برجاء .. 
فكم من مهرول بين الصفا والمروة لم يقترب خطوة .. وكم من مضجع يقطع نحو الله اشوطاً ويسبق في وصوله ملايين السائرين ..

وأول السير الفهم .. 
فلتوسع فهمك المحدود عله يأتي بقبس من الحكمة المطلقة .. 
إنما المحدودية نجس .. وتوسيع الفهم تطهر عنه للدخول إلي حضرة المطلق .. 

فاللهم ارزقنا الفهم عنك .. 

IT IS NOT ABOUT HOW IT APPEARS .. it is all about how u see it 


السبت، 11 مايو 2013

مغمض وماشي بالمقلوب .. (من وحي حكم ابن عطاء)

يقول ابن عطاء الله: اجْتِهادُكَ فيما ضُمِنَ لَكَ وَتَقصيرُكَ فيما طُلِبَ مِنْكَ دَليلٌ عَلى انْطِماسِ البَصيرَةِ مِنْكَ



اتعلم ذاك الشعور الصادق الذي يملأك احيانا .. بأن حياتك اصعب من أن تديرها بنفسك ..
قبل ان تحمد الله علي وجودنا .. ينبغي علينا ان نحمده علي وجوده هو ..!!
فدون الله لانتهي الأمر بالبشر جميعهم إلي الجنون أو الانتحار .. بل إن ما يحفظ علي الملحدين عقولهم هو تلك القيم الدينية الرقيقة التي تسربت إليهم في طفولتهم .. وذلكم الأمل النابض في خلفية اذهانهم أنهم ربما يوما يجدون البرهان ليؤمنوا ..

حين خلق الله الانسان .. لم يكن خلقه استعراض قوي وقدرة بخلق عجيب وتفاصيل معجزة . وإلا لربما خلقه وتركه .. إنما كان خلقا مسئولاً .. خلق عناية وربوبية .. خلق تولي وحنو ...

ترك له مساحته الواسعة من الإرادة الحرة ولكنه علم أنه محدود القدرة والصبر .. سريع الملل .. متعجل ... فتكفل بعنايته ببعض و؟ائفه الحيوية مثلا .. فلم يترك له تنظيم ضربات قلبه اراديا أو انفاسه أو هرموناته وإنما اعطاه بعض الآلية التي تتيح له الانشغال بباقي تفاصيل حياته ...

وهكذا ايضا تدخل بعنايته فكفل له رزقه .. وأجله .. مخففا علي القلب وطأة التدبير .. والتخطيط والانشغال الدائم المدمر بالغد .. رحمه من القلق حين اقسم "وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثلما انكم تنطقون"

لعن الله اقواما اقسم لهم الله نفسه ولم يصدقوه (الحسن البصري)

لم يصدقوه فانشغلوا بالتدبير والتخطيط والحسد والصراع علي لقيمات .. وربما الجشع والسرقة والحرم .. ولم يعلموا انها آتية رغما عنك كما هو أجلك ..

ولكنا نورد هنا بعض اللطائف :

* لنفهم منظومة الرزق (وهي منظومة تتداخل فيها الإرادة الحرة بالسعي والتدبير الرباني بالقدر) لابد أن نركز جدا مع المثال الذي ضربه لنا الله .. الرزق كما النطق ..!!
فكيف ينطق الانسان .. النطق هو عملية تقطيع وتنظيم وتلاعب (إرادية) بالاحبال الصوتية الحنجرية لعمود الهواء الخارج (شبه لا إرادياً) مع الزفير .. أي ان النطق هو عملية تحرش الإرادة بالآلية اللاإرادية ..
وهكذا الرزق يا سادة .. السعي والعمل ما هو إلا عملية تحرش ... وتنظيم وتلاعب إرادي .. بآلية الرزق والعناية والتقدير الربانية .. اي هو منظومة متكاملة لابد ألا نغفل احد طرفيها .. الإرادي واللا ارادي ..
* الرزق مكفول محسوب كالأجل في اجماله لا في اجزائه .. يعني مكتوب لك ومقدر لك عدد انفاسك العمرية المجملة .. عدد نقودك العمرية المجملة ..كنت دائما اقول لأصدقائي الأطباء الكادحين في مصر: لو مكتوبلك مليون جنيه ينفقهم الله عليك في عمرك كله .. فتسافر الخليج تاخد منها تعمل منهم نص مليون في خمس سنين .. يبقي فاضيلك نص تاني حتاخده علي بقية عمرك .. تقعد في مصر بوزارة الصحة تعمل عشرين الف جنيه في خمس سنين .. يبقي برده حتاخد باقي المليون فيما تبقي من عمرك .. رزقك كأجلك .. لا تموت نفس حتي تستوفي رزقها وأجلها .. ولو تبقت لك شربة ماء لما استطاع ملك الموت أن يقبض روحك دونها ...
لذا فاعلم ان رزقك في خزينة الله آمن كامل .. يرد إليك وتستوفيه بكل بنس وقرش ولقمة وشربة .. تأخر منه ما تأخر وتقدم منه ما تقدم .. فما عليك سوي السعي تنظيما لعملية السحب اليومية من خزينتك السماوية ..

* ليس رزقك فقط هو ما دخل جيبك .. نعم .. إن المفهوم الضيق للرزق وحصره في المال النقدي أو الطعام والشراب والمسكن ومتاع الدنيا هو اغفال احمق لأبعاد الحياة الانسانية الدسمة .. فراحة البال رزق .. وزوجة صالحة وعلاقة جميلة رزق .. صديق وفي رزق .. فكرة ممتعة رزق .. كلمة ثناء رزق .. إنما المال النقدي هو كسب محدود .. فلا تظن وانت تعد اموالك البسيطة في المساء أن رزق  اليوم كان صغيرا .. ولكن لتعد معها نعم اليوم .. نجاحات اليوم المعنوية .. ولتجعل علي راسها آمنك في بيتك وراحة رأسك علي مخدتك .. وابتسامتك لأهلك قبل النوم التي لم يحرمك منها اليوم أحداً ..

* وليس كل ما دخل جيبك رزقك أنت : .. نعم .. فإن أحيانا يسوق الله رزقا لغيرك علي يدك .. فمائة جنيه تدخل جيبك مكتوب فيها للسباك عشرينا !! ..


لذا فلتطمئن نفسك بكفالة رزقك وأمن خزينتك .. ووان في سعيك .. فلا تكدح كوحوش البرية مضيعا كل المعاني الجميلة في الكون سعيا وراء لقمة اليوم .. ولا تتقاعس عن تنظيم عملية التقدير بإرادتك (كتقاعس الانسان عن تقطيع حبل الهواء .. فيبقي صامتا بلا نطق حينا) ..
ولتسعي فيما طلب منك السعي فيه حقا .. وهو الاتصال بالله .. عبادته ومناجاته .. ذاك ليس مكفولا .. ذاك محط الإرادة فينا .. وهو منطلق الأمانة التي اخترنا حملها .. العبادة لله طوعا .. واختياراً .. العبودية من محطة المحبوبية لا القهر .. وحدنا في الكون مخيرون بين الإيمان والكفر .. والعبادة والجحود ..

لذا فإن اجتهادك فيما ضمن لك (الرزق) وتقصيرك فيما طلب منك (العبودية) دليل علي انطماس البصيرة منك ..
وكأنك مغمي عينيك .. وماشي بالمقلوب .. رايح  للرزق اللي جاي جاي .. وسايب الآخرة اللي لو فاتتك لفاتك كل شيء ..

 

التشوه التلفازي ... اثر الدراما tv mutation.. the drama effect




تعد الدراما .. والنقل الإخباري (بما يتضمن من برامج التوك) .. والجانب الإعلاني الدعائي .. هي الأعمدة الرئيسية الثلاثة للصناعة التلفازية .. 
دعونا نكن منصفين .. حين نقول أن للميديا الجمعية اثار تشويهية .. فإننا ليس بالضرورة نتحدث من منطلق نظرية المؤامرة او الاعلام الموجه او غسيل المخ الممنهج للوعي الجمعي للشعوب .. إنما نتحدث حتي عن الأثار الجانبية لتلك الصناعة الكبري التي ليست بالضرورة أن تكون مقصودة من قبل فئة ما .. 

ولكنها تحدث .. 
الدراما .. هي محاولة عابثة لصناعة عالم موازي .. شخوص وحكايا وظروف .. يجلس اشخاص حقيقيون أما شخوص كاذبة وحياة كاذبة في محاولة لنسيان ألم حياة حقيقية .. 
اشكالية الدراما أنها مهما كانت محبوكة وبارعة .. فهي لن تستطيع ابدا ان تحيط بالجوانب اللامحصورة للكائن البشري وابعاده .. ولا الجوانب اللامتناهية للعلاقات البشرية .. 
هي محاولة لتسليط الضوء علي ابعاد بعينها .. 
حين تكون الدراما فعل تسلية .. فهي فعل صحي تماما كحكايا الأطفال واقاصيصهم .. لاستجلاب النوم الهارب ..

ولكننا صرنا اكثر سذاجة من الأطفال حين جاوزنا بها حد الترفيه .. إلي التصديق .. إلي المقارنة .. إلي المعيارية .. بمعني اننا اصبحنا ضيقي النظرة نركز علي البعد المطروح ونتناسي الابعاد الأخري التي غفلها صانع الدراما .. نحاكم ونتموقف .. 
بل الأكثر عبثا انه قد صارت في خلفية اذهاننا اللاواعية مقارانات معقودة بين الدراما بشخهصوها ومشاهدها ونتائجها وقوانين حياتها محدودة الابعاد .. وبين واقعنا بلانهائية اختياراته .. 
اصبحت الدراما معيارا لاشعوريا لكثير من توجهاتنا ..
اصبحت الحياة الدرامية الكاذبة .. والشخوص الدرامية المزيفة .. ذات تأثير قوزي للغاية في حياة الحقيقة والواقع ..


المشكلة الكبري ان الدراما تقوم علي الانفعال EMOTIONS .. بشكل اساسي وليس  الذهن INTELLECTUAL  .. والتأثير الانفعالي هو تأثير مؤقت عابر .. هش لا يمكن ان تنبني عليه تغيرات حقيقية في الشخصية .. 
علي عكس التجربة الحياتية الفعلية التي تلعب علي كل اوتار النفوس من ذهن وانفعال وروح لذا فتشكيلها للشخصية اكثر ثباتا وصرامة ..

لذا اصبح الكون اكثر خبلا .. واصبحنا اشخاص انفعاليين .. عصابيين .. وزادت المشكلات النفسية .. 
اصبحنا كائنات ربتها الدراما وصاغها التلفاز .. 
اصبحنا مسوخا من كائنات حبرية وتلفازية صنعها مسوخ قدامي .. 
.......................................................

الدراما اصبحت تشكل تصوراتنا عن انفسنا وعمن حولنا .. تغيرت المعايير تبعا لمعايير الدراما .. 
تغيرت معايير الحب والاختيار والزواج والرجولة والانوثة والجريمة والدين .. تبعا لما تصدره لنا الدراما من صور جاهزة تنطبع بتأثيرها الانفعالي في خلفية ذهننا .. تغير واقعية قيمنا .. 
تغير ما نريد .. وما نحب .. 

..........................................
السؤال: لماذا تشاهد ذات الفيلم او المسلسل بضع مرات .. ألا يكفيك ضياعا واحداً .. تشوهاً صغيراً ... لماذا تصر دوما أن تقوم بندبة عميقة ؟؟!!

الأعراض الجانبية للميديا الجديدة ...




اقصد هنا بالميديا الجديدة .. ممثلة في التلفزيون والسينما وصناعتهم الدشليونية .. والانترنت بفيسبوكه ويوتيوبه .. 
انها حقا تدمرنا .. تعبث برؤيتنا لذاتنا .. صورتنا الداخلية عنا .. تشعرنا بشيء من الدونية .. تنهك تقديرنا لأنفسنا .. 

تلكم المقارنة الدائرة دوما بين المرآة الجالسة امام التلفاز وبين فتياته اللواتي قضين الساعات والعمليات ليظهرن بصضع دقائق يعبثن بصورتها عن نفسها ..
الميديا تغذيك بقناعات جديدة .. تشكلك كطفل صلصالي .. ماذا يجب ان تشتهي وماذا يجب ان تشتري .. كيف تفكر .. وكيف تتصرف ..
السيناريوهات الخيالية المحبوكة بصبغة الفواقعية تصر رإلينا قيمنا الجديدة .. تعبث بقوانين الأشياء .. لتبقي فقط قوانين الدراما .. 

اصبحنا شخوصا الكترونية علي مواقع التواصل الاجتماعي .. اقنعة الزيف تلبست الجميع .. من يكتب يكتب للقارئ .. ويفعل للمشاهد .. اصبحت حياواتنا بث مباشر اربع وعشرين ساعة .. لذا يجب دوما ان نتزين .. نتجمل .. نتقنع .. 
حتي نسينا من نحن حقا ؟؟

يوم واحد بلا كهرباء .. او وصلة النت .. وها نحن كالمدمن .. نشتهي .. نفرك .. نبحث عن جرعتنا من الانهيار بالميديا ...

يوم واحد يمر بطيئا .. جدا .. 
الحياة ابطء دونهم .. 

هي ليست ابطء .. ذاك هو الزمن الحقيقي .. مبارك .. 
انما الميديا السارق الخفي الاشرس .. تسرق الوقت بلا شعور بالجناية .. 

يوم واحد دونها تشعر ان العمر اكبر .. والحياة اطول .. والوقت ابرك .. 
هي تدمر قيمنا .. وصورتنا عند انفسنا ومن حولنا .. وتسرق اوقاتنا .. وتحبط ابداعاتنا .. تكبل شطحاتنا بأسوار قواعدها المعلبة ..

هي تمنحنا حالة من القلق ,.. العجلة .. الهياج الجمعي .. التوتر اليومي .. حالة من الشبق العام .. من الطمع في ماهو لاشيء ..

تجعلنا استهلاكيين ... شيئيين .. جسديين .. مادييين .. 

هل يمكنك ان تتوقف لأيام عن أن تكون منتجا للميديا .. ان تكون جزءا من ميكنتها .. مستهدف معلب .. ان تكون ذاتك دونها .. ؟؟