الجمعة، 9 ديسمبر 2011

A masterpiece


    إن الله يا سادة لم يخلق ادم وحده بيده ... إنما خلقكم جميعا بيده .. علي علمه .. وبتدبيره ..
    أنتم صنعته .. ابداعه ..
    أحيانا اتخيل الأمر بنظرة مختلفة قليلا ..
    اتخيل رساما بارعا .. أو نحاتا عبقريا .. أو ربما روائيا مبدعا .. كل منهم له أعماله العظيمة .. تلك الأعمال التي تشع بين اعماله يعرفه العالم بها ..
    تلك التي يسمونها : ماستر بيس .. قطعة فريدة ..
    MASTERPIECE
    اتدري تلك السيارة الخاصة التي صنعتها الشركة الفلانية ولم تصنع مثلها قط ..
    MASTERPIECE
    اتعلم تلك السيمفونية التي لم يستطع ذاك الموسيقار تأليف مثلها أبداً ..
    MASTERPIECE
    والله احسن الخالقين ..
    اتدري يافتي .. لقد خلق الله الإنسان هكذا من بين خلقه .. MASTERPIECE ..
    والإعجاز الحقيقي _وطرطقلي ودانك هنا أوي _ أنه قد خلق كل فرد من بني الإنسان نفسه MASTERPIECE
    ولذا سمينا أفراد .. لأن كل منا فرد ..
    إنها تلك المسحة من تفرد الله وفردانيته حين خلق الإنسان .. فجعل كل نسمة من خلقه كينونة خاصة .. مختلفة فريدة ..
    أعجوبة متفردة ..
    لم يخلقنا الله قوالبا مكررة .. ولم يجعلنا جموعا متناهية من تباديل وتوافيق لعجز في القدرة حاشاه ...
    إنما خلق كل منا فرداً ما .. متفردا في ناحية ما بأثر نفخة روحه السارية فينا إلي الأبد .. وتفرد وحده بالفردانية في كل شيء ..
    نعم يافتي .. انت قطعة فريدة وحدك ..
    نعم يافتي .. لديك في داخلك شيئا ما .. ينبغي علي العالم بأسره ان ينصت له ..
    لقد منحك الله في صنعته شيئاً ما .. يمكنك أن تمنحه للعالم .. أنت وحدك ..  
    آمن بنفسك .. انطلاقا من ايمانك بمولاك ولامتناهية قدرته فينا ..
    آمن بنفسك .. واعلم أن لديك حقا ما يستحق أن يخرج للكون ..
    لديك اسباب تفردك .. واختلافك .. في جهة ما .
    لديك مسحة خاصة .. تحملها وحدك .. في بقعة ما ..
    داخلك .. فقط .. الإشكالية في اكتشافها .. ولكن يجب أن تؤمن أولاً .. انها هناك .. موجودة ..
    وانك تستحق ..
    ..............................................
    اتدري يافتي .. إن للجنة ثمانية أبواب ..
    ليس من الضروري أن تسير علي خطي ابن تيمية إلي بابه الذي يدلف منه ..
    ولم يقل أحدهم يوما أنه لا مفر من التعلق بعباءة الغزالي إلي بابه ..
    لن يدخل الجميع من ذات الباب .. إلي الجنة ..
    وهكذا حضرة الله .. وملكوت القرب منه .. لا متناه الأبواب ..
    لا تتبعن سوي قلبك إليه ..
    لا تتبعن سوي ذاك المتميز فيك .. البريق المشع داخلك .. استمع إلي همسة النبي في أذنك عبر حجب الزمان .. ((استفت قلبك ولو أفتوك)) ..
    ذاك ما نسميه فقه الخصوص والشخوص ..
    ذاك الفقه الذي جعل ابن عباس يجيز القبلة صائما لرجل ولا يجيزها لأخر ..
    فالأول شاب قد لا يتمالك انجرافات الشهوة فيه فيفسد صومه .. والآخر كهل قيدت حكمة الكهولة فيه منطلقات الشهوة .. والكل قبلة ..
    نعم استفت قلبك .. غص بحيادية الأتقياء .. وقلوب الأنقياء إلي تلك الخرائط الربانية السابحة في دهاليزك ,,
    اقطف ثمار الحكمة فيك ..
    استفت قلبك ..
    اسأل ذاك الشيخ العالم الحكيم الرابض في ممراتك السرية ..
    استفت قلبك ..
    .........................................
    لم يكن الأنبياء سوي أولئكم الذين ساروا قديما ضد التيار السائد ..
    حتي من قبل أن تنزل عليهم الرسالة .. وقبل أن تحيطهم معصومية الوحي .. كانوا أولئك الثائرين علي البالي .. العالمين بخصوصية الخليقة فيهم ..
    فابراهيم السائر وراء كوكب .. وقمر .. وشمس .. بحثا عن معبود يستحق .. يلحظ ببريق الخريطة في دواخله صفات المعبود الذي يستحق ..
    هو حاضر وإن غاب عن الرؤيا .. (لا أحب الآفلين )
    ومحمد يعتزل متعبدا .. بلا ديانة ما .. بلا شعائر ما .. بلا خريطة ما .. الليالي ذوات العدد في حراء ..
    إن تأملت الأنبياء علي وحدة الرسالة فيهم .. تأملا دقيقا تعلم أن كلا منهم كانا أمة وحده .. كيانا متفردا .. لم تكن النبوة ذاتها قالبا يصب فيه الأنبياء ...
    يمكنك أن تميز بشدة بين موسي وعيسي ويونس وزكريا وابراهيم ولوط ومحمد .. تمييزا يجعلك تعرفهم وإن لم تراهم من قبل ..
    والكل ... نبي الله لا نفرق بين احد منهم ..
    بل إن المتأمل للرعيل الأول من الصحابة والتابعين .. يعلم أن كلا كان كينونة وحده ..
    لم يصنع الإسلام منهم قوالب صماء ..
    إننا دون أن نري أيهم .. نستطيع أن نرسم لكل منهم صورة تميزه .. داخليا وخارجيا ..
    وكأننا لو رحنا يوم القيامة واستمعنا لدقائق لكل منهم . لعرفنا من ابي بكر ومن عمر ومن خالد ومن ابن مسعود ومن ابي ذر ..
    كان كل منهم كينونة خاصة .. أعجوبة فريدة ...
    وقد شحذ الإسلام هذا وصقله .. وشجعه فيهم ..
    آمن كل منهم أن لديه ثغرة ما يسدها .. أو شيئا ما يقدمه .. وهكذا ينبغي أن تؤمن ..
    آمن كل منهم أن لديه ما ينبغي ان يقوم به .. وهكذا ينبغي أن تؤمن ..  
    لم يظن أحدهم يوما أن تعداد الجنة مكتمل دونه .. أو أن اسماء الأبطال قد ازدحمت قبله ..
    لم ير أحدهم في مجد الآخر واختلافه وخصوصيته وتفرده ما يعيقه هو أن يكون نفسه ..
    لم يكن وجود أحدهم يوما علي الحياة مجانيا .. أو زائداً .. لم يكن أحدهم يوما رقما اضافيا تعداديا فقط .. EXTRA NUMBER
    وهكذا يجب أن يكون وجودك ..
    وهكذا ينبغي أن نؤمن معهم ..
    لا يجعلك رؤية من هو متميز في مكان ما .. أو مبدع في مجال ما .. تشعر بأنه ليس لديك ما يمكنك أن تقدمه بعده ..
    لدي كل منا ما يكفي أن يقال .. أن يخرج .. أن يكون ..
    ينبغي أن نؤمن معهم .. أننا جميعا ...
    وأن كل منا ...في النهاية ..
    Masterpiece

الأحد، 20 نوفمبر 2011

الحرية لطارق .. (علي هذه الأرض ما يستحق الحياة 2 )


في بلدنا حاليا دائما ما تسمع هذه العبارة الحرية لفلان المعتقل علي اثر احداث كذا .. وتري لافتات تحمل صوراً وعبارات الحرية لفلان الناشط في حركة كذا وكذا .. وكل ما يعانون منه هو سجن أصغر .. معتقل أو زنزانة او ربما اقامة جبرية ..
وهناك خارج السجون تلك .. من هم مسجونون أكثر .. في سجون اكثر ضيقا .. ربما هي علب صغيرة .. ولكنها زنازين حريرية الملمس وردية اللون .. زنازين باقنعة براقة .. ولكنها في النهاية زنازين ..
فالسجون في التصور الإيماني .. إنما هي سجون الداخل .. سجون النفوس .. سجون الشهوات وتشوهات التصور ..
""قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه "
السجن أحب من حرية موهومة في حضن الشهوة .. مع خسارة النفس ..
وطارق (تحدثت عنه في الادراج قبل السابق ) كان مكبل في احداها ..


طارق كان حاملا لكتاب الله في صدره .. قارئا واسع الاطلاع -دودة كتب - كما يسمون امثاله في مصر .. عداءاً ماهراً ورياضيا عالي اللياقة .. ولكنه تخلي عن كل هذا .. حينما قرر الالتحاق بساقية العمل مبكرا .. مبكرا للغاية .. لأنه قد قرر الخطبة والزواج وهو لم يزل طالبا جامعيا .....
وبغض النظر عن التوقيت .. فإن الزواج في مدن الازدواجية والخوف العربية يعني أن تتخلي عن كل شيء .. تتنازل طواعية وربما لا شعوريا عن كل القيم الجمالية فيك .. عن هوياتك .. عن شغفك .. وربما عن انتماءك التنظيمي .. وربما بشكل اكثر قسوة عن اورادك وعلاقتك بالله .. ذاك جميعا في سبيل لقمة العيش .. التي اصبحت مع الوقت أكثر من مجرد سعي وراء لقمة العيش .. فلقمة العيش لم تزل علي سعرها القديم .. ولكن تطلعاتنا هي التي اختلفت .. ورغباتنا هي التي لم تعد تقنع بالعيش .. وإنما لا تقنع بما دون البيتزا .. والوجبات التي تحمل العلامات العالمية المسجلة ..
طارق كان يبرر تخليه عن كل جميل فيه .. أو ربما ضياع كل جميل فيه غفلة منه بأنه سقط أثناء البحث عن حياة كريمة ..
الحياة الكريمة .. هي مبرر الغافلين .. والمنبطحين .. والجبناء .. والسارقين .
الحياة الكريمة هي مبرر المنهزمين .. والخائنين ..والذين تخلوا عن احلامهم ..
الحياة الكريمة هي مبرر الجميع أمام كل انبطاح .. كل تسامح مع الشر .. كل تصالح مع السواد .. وكل استمراء لما لا تريد ..

قال لي طارق واصفا الحياة للشباب حديثي التخرج في مصر .. بأنها ميكنة نهمة شرهة .. ماكينة هائلة الحجم .. تلتهمنا .. ندخل من احدي جوانبها علي فطرتنا .. علي جماليتنا .. علي شغفنا .. نظن أننا سنغير الكون وسنقنع بالقليل .. وسنأتي من المال بما يكفي لنحقق أحلامنا البيضاء ..
ولكنها تستمر في العمل .. تلك الميكنة ذات البرمجة المحددة .. ذات الأحلام المعلبة .. والتصورات المستوردة ..
لنخرج من الناحية الأخري قوالب .. أناس معلبين .. كل منا يحمل لاصقا بدواعي ونواهي الاستعمال ..
نذوب .. نتوه .. ننمحي .. نتلاشي ..
ولكن تبقي اجسادنا .. وارواح منا بلا هوية .. ككائن غريب يحتلنا ..
فنستيقظ كل صباح بذات المرارة في افواهنا .. وذات المرارة في صدورنا .. لا نعرفنا ..
نشعر بالغربة معنا ... بالغربة فينا ..

حتي ربما لا نجد أنفسنا لنستمتع بتلك الحياة الكريمة .. التي ضحينا بكل شيء في سبيلها .. حتي انفسنا ذاتها ...

اجبته :

اتعرف يافتي .. شتان بين الحياة الكريمة .. والحياة التي ارادنا الله ان نريدها ..
الحياة التي يأملها صاحب اليقين في تصوره لمعيشته الدنيوية ..
الحياة التي وعد الله بها المتقين ..
الحياة الطيبة ...
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }النحل97

تلكم فقط هي ما تحدث عنها الله ..
طيب الحياة .. لا الحياة الكريمة بمفهومها الحضاري الحالي يا فتي .. ذاك المفهوم هو اول ما ينبغي عليك أن تتحرر منه ..
أن تتحرر من معطيات الحياة الكريمة .. من تعريفها المادي العقيم .. من التداول العامي الشائع لهذا المفهوم ..

وأن تطلب الحياة الطيبة ...

والفارق  جد كبير ..
الحياة الطيبة .. غير متعلقة بالخارج .. غير مرتبطة بما تملك .. غير متناسبة مع ما لديك ..
الحياة الطيبة متحررة من الواقع .. متحررة من الظروف .. متحررة من الأاشياء ..
الحياة الطيبة تنطلق  من الداخل .. من داخلك انت .. متعلقة بقلبك .. بروحك .. بتصورك .. بكيفية استقبالك للواقع لا بالواقع نفسه ..

الحياة الطيبة هي بستان العابدين .. ومستراح السائرين لله .. هي التي لو ذاقها الملوك ورجال الأعمال لأعلنوا حربا قدسية لاستردادها ..
قال أحد الصالحين : "لو يعلم الملوك وابناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف "
التي قال عنها احد الصالحين ايضا :: " إنه لتمر بالقلب لحظات اقول لو أن اهل الجنة فيما نحن فيه لهم في نعيم "

الحياة الطيبة التي تحملها في صدرك غير عابء بالتغيرات الكونية .. كمسحة ممن لا تجوز عليه الحوادث ولا تؤثر فيه التغيرات .. فيسكن القلب بثبات مولاه المتعلق به ..
حتي قال ابن تيمية :" ماذا يفعل بي اعدائي .. أنا جنتي وبستاني في صدري اينما ذهبت فهي معي .. إن قتلوني فقتلي شهادة .. وإن نفوني فنفيي سياحة .. وغن سجنوني فسجني خلوة "

اتري يافتي ذاك التصور الإيماني كيف جعله يغير نظرة استقباله للكون .. وزاوية رؤيته للحياة .. تصور اصبح عدسة وردية يري فيها السجن خلوة .. والنفي سياحة ؟؟!!

قناعتك بزوجتك .. ورضاك عن مساحتك في الدنيا .. ونظرتك الواسعة للعناية الربانية .. والرؤية الصابرة للحكمة في البلاءات .. أن تري المنح منحاً .. والمنع منحاً .. أن ترضي بكل ما نزل بك لأنه لم يخرج عن نطاق الإرادة الربانية .. وتري خطة ربانية .. ومطبخ للأأقدار يصنع لك وجبة سيرتك الحياتية ..
يوسف لولا البئر .. والسجن .. لم يكن ليحكم مصر ..

أحمد بن حنبل يقول : "تزوجت ام عبد الله منذ خمسة وثلاثين سنة ما اختلفنا في كلمة "
لم يكن ديكتاتورا .. أو متعنتا .. أو مغلوط الفهم للقوامة رحمه الله .. إنما التصور الحقيقي لطيب الحياة .. قانع مقنع ..

اهتمامك بالدواخل .. بالمعاني  .. تفضيلك للقيمة عن الوفرة .. وللأثر علي الكثرة ..

تلك المشاعر اللاموصوفة التي تنتابك خارجة عن المعقولية عند استيقاظك في جوف اليل بدون منبه لتقف بين يدي الله ..

ذاك الهم الذي تعلم أنه ما بينه وبين انفراجه عنك سوي أن تضيف إليه اللام .. حين تنادي .. اللهم ..
والكربة التي تتحول بعمق الفهم .. وقبول الحكمة الربانية فيها .. فتختلط حروفها وتعاد ترتيبها .. فتصير .. البركة ..
تلك هي الحياة الطيبة ..
والطيبة لا توصف ..
لا تنال ادراكاً إلا بالذوق ..
أن تذوقها فقط ..
فلو طلبت منك ان تصف لي طعم الفراولة لوقفت اللغة بأسرها عاجزة عن وصفها وكأني اذوقها حتي افعل ...
فما بالك بالحياة الطيبة .. اكسير معيشة المتقين ..
الحياة الطيبة في الدنيا .. هي التي ينبغي أن تكون منطاق ارادتك .. والعجيب أنها مكفولة بالإيمان والعمل الصالح .. منحة ربانية .. ونتيجة منطقية لاصحاب اليقين ..

أما تلك الحياة الكريمة .. المتعلقة بمسكن وسيارة وملابس وحسابات بنكية ومكانة وظيفية .. فهي وهم زائف لا تلبث أن تمسك خواء حقيقته عند الوصول إليه ..

بقي لك حياة أخري .. وهي حياة الرغد ..
وتلك لا مكان لها إلا في الجنة ..
وهي جماع الاثنين .. متعة الداخل .. ومتعة الخارج .. . لذة النفس .. ولذة الاشياء ..

فما عليك سوي الارتماء في كنف التصور الحقيقي .. والقاء أخدوعة الحياة الكريمة في مزبلة الحضارة العقيمة .. والتمسح بعتبات الإيمان والعمل الصالح .. وحينها ستذوق لذة الدارين ..
الحياة الطيبة في الدنيا .. والحياة الرغدة في الآخرة ..
ومن ذاق عرف ومن عرف اغترف ...

السبت، 19 نوفمبر 2011

تحرر من الاعتماد علي العمل


    " من علامات الاعتماد علي العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل"  ابن عطاء الله السكندري .. الحكمة الأولي
    هي من اكبر المشكلات القلبية .. الاعتماد علي العمل .. تعلق القلب بالحركة والسكون والسبب والفعل .. هي لوثة من لوثات الدنيوية .. والمادية .. نوع من انواع الاعتماد علي الحس .. علي ما تراه وما تلمسه .. من تمكن عالم الشهود والمشهود من القلب .. من رجحان كافة الجانب الفيزيائي علي الجانب الروحاني في التصور ..
    الاعتماد علي العمل  احد مظاهر المادية .. احد مظاهر تشوهات التصور .. والتعلق بعوالم المادة .. وللتخلص منه لابد اولأ من اكتشافه .. من الغوص في النفس للامساك بمنطلقه .. بجوهره .. ولابد للغائص من خريطة .. من مظاهر .. ومعالم تمكنه من التقاط وجود الخلل في قلبه وتصوره ..
    واكبر مظاهر الاعتماد علي العمل هوتلك الحالة من اليأس .. من الركون .. من الجزع عند وجود خلل ما .. زلل ما .. عندما تخرج الأمور عن السيطرة .. يضيع الرجاء ..
    هي حالة الجزع التي تكشف ضعاف اليقين عند البلاء .. حالة الفوضي الحسية والتخبط وفقدان الهوية والاتزان عند نزول المحن الفجائية ..
    تتراوح تلك الحالة تبعا لثقل البلاء وتبعا لتمكن حالة اللايقين وتشوه الاعتماد علي العمل من القلب والروح والعقل ...
    اما المؤمن الحق .. صاحب اليقين وهو التصور الذهني القويم .. لا يعتمد علي العمل .. لا يتعلق بالأسباب والحركة الفيزيائية الكونية .. لا يعبأ بالقوانين الطبيعية .. هو لا هملها ولكنه غير متعلق القلب بها .. يعلم أنها ما انطلقت في مشوارها اليومي إلا في نطاق المشيئة .. وتحت كنف العناية .. وأنها لا تخرج عن مدي الإراددة الربانية المطلقة قيد أنملة .. وان الله هو المحرك .. والمسبب ..
    لذا فالصبر عنده صفة لصيقة في الرخاء والشدة .. فالقلب متعلق بمسبب الاسباب .. غير عابئ بالتغيرات .. فمن تعلق بالثابت ثبت عند التغير .. ومن ارتبط بالذي لا تجوز عليه الحوادث سكن عند نزول الحوادث ..
    هو يعلم ان من انزل النوازل قادر علي رفعها .. ومن احدث الحوادث بقدره قادر علي رفعها بلطفه ..
    لذا فأول توجهاته عند وقوع الزلل .. التمسك بالرجاء .. وصدق الالتجاء .. ووجود الدعاء .. والاجتهاد في طلب الصبر والفهم عن الله في الامتحان ..
    وعلي المقياس الاصغر .. تجري الحياة باسرها لدي الموقن .. اعماله الصغيرة .. خططه اليومية .. يعتمد فيها ربه ومولاه ومحرك الكون بارادته لا يعتمد علي عمله أو بشريته .. يبرأ من امكاناته ومواهبه وافعاله وحوله وقوته إلي حول الله وقوته .. فلا حول في الواقع .. ولا قوة علي الحقيقة . ولا قدرة في ابعاد الفهم الحقيقي إلا لله وبالله .. فيبرأ المؤمن من الاعتماد علي العمل .. ويعتمد فقط علي مدبر الأمر ..
    لذا فعند وقوع الزلل .. والخلل .. الظاهر أمام الادراك البشري القاصر .. لا يكون مجالا للجزع .. ولا يفقد القلب يقينه وثباته وسكونه .. فقط يركن إلي الجانب الثاني والجناح الموازي للتفويض وهو جناح الرجاء .. الالتجاء .. والدعاء ..
    ومن زوايا النظر إلي الحكمة هنا ايضا .. معني وجود الزلل في العمل القائم عند اتمامه ..  بمعني نقصانه .. عدم كماله أمام عين الفاعل .. وتلك ربتة رقيقة علي قلوب موسوسي الكمال .. أولئك المترددين علي اعتاب القرارات .. المرتعشين قبل الخطوات .. دائمي التامل والتدقيق والتنقيح لأعمالهم .. يا سادة إنكم تعتمدون علي اعمالكم ولو علمتم أن للا‘مال اقدارها الخاصة وان الكمال مقرون بأفعال الله وحده لأطمأنت نفوسكم إلي نقصان أعمالكم .. ولسكنت قلوبكم رضا بوجود بعض الزلل الملازم لتخطيطاتكم ..
    ولأخرجتم أعمالكم إلي الكون .. ولأامضيتكم قراراتكم في الحياة.. ولفلعتم ما في وسعكم .. ولن أقول ولتتركوا ما تبقي لله .. بل اتركوا الأمر برمته لله .. فإنه هو الفاعل حقاً ..
    اخرج صنيعتك .. وامض مع قرارك .. واسبح مع شغفك .. متعلقاً بالرجاء رغم الزلل .. متمسكاً بالالتجاء رغم النقصان .. معتمدا علي الله وحوله وقوته وارادته وقدرته .. غير متعلق بعملك .. بل غير مشاهد له .. إنما فانيا عنه .. غائبا عنه .. ناسيا جهدك .. متعلق بتوفيقه وعونه ...
    تلك سمة الموقن .. وتلك سمة صاحب التصور المشوه .. فانظر يا فتي اي الفريقين انت .. 
    التطبيق العملي :
    خلص .. وانجز .. ومتترددش كتير مع قراراتك .. دايما حتكون اعمالنا ناقصة .. وتخطيطنا عمره ما حيكون مثالي .. وقلب المؤمن مش معتمد علي تدبير بشري أو تخطيط بني أدمين او حتي قوانين فيزيا .. إنما معتمد بس علي ربنا .. علي المسبب والمكون .. والمحرك والمدبر .. عشان كده نزل افعالك علي ارض الواقع مباشرة حتي لو شايف انها لسه مكملتش ..
    لو في يوم كنت شايف الدنيا ماشية في سكة .. ومتوقع أنها مكملة بتتابعية علي سكة معينة .. ومرة واحدة ومن غير سابق انذار أو توقع انقلبت الترابيذة عليك .. واتت الرياح بما لا تشتهي .. ولقيت دنيتك رايحة في سكة مش متخطط لها .. أوعي تيأس أو تجزع أو تفقد اتزانك .. لأن السكك مش بتاعتك ..والعربية نفسها مش انت السواق الفعلي لها .. وفي النهاية حتي لو قطار دنيتك خرج عن قضبان تخطيطك فهو مش حيخرج ابدا عن قضبان عناية ربنا وارادته وقدرته وحكمته .. فلو لقيت الدنيا ضلمت واجراس الانذار بترن في قطارك سيبك من الفرامل والدواسات ونداءات الاستغاثة .. سيبك من الجزع واللماذا ؟ والصراخ .. وافتح بيبان قلبك ومد ايدك اقطف وردة رجاء من بستان اليقين .. وارمي دفتك في ايد الالتجاء .. واعرف ان مكنتش انت اللي سايق من البداية .. وانك مسكت الدفة بس عشان متكونش مقصر في حق الاسباب اللي انت مامور بيها .. لكن لما خلاص انتهت الاسباب وتلاشت البدايل اللي قدامك في ازمتك .. وانتهت استطاعتك في المجهود .. مبقاش قدامك غير انك تسيب الدفة علي وجه الحقيقة للي ماسكها من فوق بحكمته ... واياك تخاف ..

الخميس، 17 نوفمبر 2011

علي هذه الأرض ما يستحق الحياة (الحلقة الأولي )


اصبحت ابتسامته ميتة اكلينيكيا ..

ذاك هو خير ما يمكن أن يوصف به ..

اختفت تلك المؤشرات الحيوية منها فجأة .. تشعر حين تراه وكأن ابتسامته مجبرة علي التواجد مع وجهه وكأنها نابتة له مع الشارب واللحية الخفيفة .. تشعر وكأنه فقط يعاني ليبتسم .. يجتهد .. يتمرن ليجبر عضلات وجهه علي مزاولة البسمة ..
يمكنكم القول أنه اصبح يبدو وكأن وجهه متشنج في وضع الابتسام .. ؟؟!!
وذاك كان بالفعل أمراً مستغربا علي "طارق" .. امراً مثيراً للاندهاش  .. لأنه طارق بالذات ..

فمنذ سبع سنوات ..........
"طارق" كان مثالاً للحياة .. ليس أكثر من هذا وصفاً  .. تراه فتستشعر تلك الطاقة الغرائبية السارية  في الكون التي تسمي الحياة .. الحياة  تشع من كل تفصيلاته .. من كل زواياه ... من كل خلاياه .. 
عيناه الغائرتان .. تشعر وكأنهما يلمعان أكثر من اي شيء .. كأن بريقهما اكثر اتساعاً ..
 كان يخيل إلي وانا أنظر إلي عينيه أنه يري أبعاداً اكثر منا .. يري افاقاً أكثر اتساعاً .. وكان بريق عينيه العجيب معدياً للغاية .. لابد أن يجذبك .. أن يجبرك علي التوقف .. علي التحديق ..

لم يكن طارق وسيماً للغاية .. ولكنه كان جذابا جدا .. كجاذبية الحياة .. كانت جاذبية طارق تنبع من غريزتنا في حب البقاء .. فطارق كان القطب الآخر للجمود والسكون والموت .. طارق كان طبقة عليا من الحياة .. الحياة باكسيرها الناطق ...
طارق كان حياة تمشي علي الأرض .. كان طبعه الحياة .. وخلقه الحياة ..

ابتسامته العريضة الدائمة .. تبتلع كل شيء .. كنا نستغرب قديماً كيف كان يمتص كل غضب الكون علي الغاضبين بابتسامة وحيدة .. وكيف كان يشفي كل بكاءات المتألمين بربتة رقيقة .. 

وحتي تتمكنوا من استيعاب فداحة الاندهاش .. اعلموا أن بعض اصدقائنا قد اتهموه بأنه ساحر أو مشعوذ .. او "مخاوي الجان" بسبب تأثيره العجيب علي القلوب ..
كان مغناطيس حياة .. فمن بين ثمانية سائرين معا كما كنا دوماً كان الناس يتوجهون له وحده بالسؤال عن الوقت .. عن الطريق .. عن مسجد قريب .. عن رقم الاتوبيس ومحطة الميكروباس ..

من معرفتي لطارق فقط علمت أن للبشر مستقبلات مغايرة للطاقة .. ولغة غير الحروف والألفاظ ..

طارق كان يقال عنه أن لا ينام تقريبا .. وكلام في سركم  لم يكن ذاك ليكون مستغربا علي من عرفوا طارق جيدا .. النوم في حق طارق أمراً غير معقول .. غير منطقي .. هو رجل بحيوية عجائبية تشعر حين تراه أنه  علي الأقل يسير وهو نائم .. بل يجري ..
رغم كل تلك الطاقة المخزونة في أعماقه .. كان لا يعرف مجالاً لللعب أمثالنا يوم كنا معا .. كان جهاز الكمبيوتر الخاص به لا يحوي العابا .. وكان يومه لا يحوي لهواً ولا قليلا من فراغ .. تشعر وكأنه دائم الانهماك .. يقرأ .. يحضر .. يدرس .. يفكر .. يتنقل من أجل دعوته .. يتحرش بالسائرين في أدب ولباقة وأناقة قول عجيبة ليفاتحهم في بعض شئون الدين .. يكتب بضعة وريقات للامكان .. يرمي خطابا غير معلوم الوجهة في شرفة بالدور الأول لأناس لا يعلمهم في طريق لم يدخله من قبل ليذكرهم بالله ..
كان يقف في الأتوبيس ليحدث الناس عن الجنة حيناً .. ويتعلق بمواسير التمسك بسقف الترام ليحدث الناس عن الاستعداد لرمضان حينا اخري بين اصوات الاجراس والابواق والات التنبيه وصراخ المارة .. وكان لجاذبيته العجيبة الناس ينصتون .. لا تقاطعه انفاسهم .. لا يقاطعه سوي راكب مرت محطته انشغالا بكلمات طارق يصرخ : علي جنب يا اسطي ..

كان يعد اصغر من صعد علي المنبر في حينا البسيط .. صعد المنبر في المسجد المختبئ تحت عمارة تتهرب به من الضريبة .. صعد صعودا قدريا لفتي لم يكمل الثماني عشر ربيعا في مسجد قد تاه منه خطيبه بعد الآذان ..
صعد ولم يكن يحمل في ذهنه خطبة .. لم يكن يحلم سوي احلامه .. وطاقة الحياة فيه ..

 كان طارق ببساطة ابعد ما يكون في اذهاننا عن السقوط .. عن الابتعاد .. عن السكون .. عن الاعتيادية ..
كنا نعتقد أن طارق هو مثال لشخصيات الشهداء .. أولئك الذين يملكون من طاقة الحياة ما لا يتمكن من انتزاعها الموت .. فتتنزل عليهم الشهادة .. لانهم يجب أن يبقوا أحياء ..
كان يسبقنا دوما بألف خطوة ..  نعلمه استخدام الكومبيوتر فيعلمنا بعد بضعة ايام تطبيقات استثنائية لتعاليمنا .. نعرفه علي بعض الأصدقاء .. فيتصلون بنا من بيته في ليلتها ..
كنا نظن أن أمثال طارق لا يكتئبون .. لا يحزنون .. لا يصيبهم غم الحياة وكدرها .. كنا نشعر أن الحزن مخفف أكثر من اللازم ليمحو بسمته .. وأن الهم أكثر هشاشة من احتمال طاقة التفاؤل بين عينيه ..

كنا نظن أن الدنيا باسرها لا تشكل له اهتماما أمام دعوته وقضيته ...
كانت تتمركز امام طاقة التفاؤل فيه حوله كل جلسة .. وتتعلق بببريق عينيه المشعتين كتعويذة عيون كل من حضره .. وتنصت أمام لهيب الحماسة المطل من حروفه كل الآذان ... وتنبهر بانفعالات جسده كل الأذهان .. كنت تراه يحيا بكل حضوره .. بكامل وجدانيته .. يأكل بكامل حضوره .. يمشي بكامل وجوده .. يتحدث بكامله .. ويضحك بكامله ..
كان يحيا بعمق ..
ذاك كان منذ سبع سنوات .. يوم كانت هناك قضايا تتسعنا .. وقيم تشكلنا .. ومعاني كنا نحيا من أجلها ...

وذهب طارق في طريقه .. وذهبت في طريقي .. لأقابله بعد سبعة سنوات كاملة .. لاندهش ..

ربما لم يكن به خطب ما بالنسبة للناظرين بسطحية .. ولكن من يعرفون اكسير الحياة المتحوصل بشرا يسمي طارق هذا جيدا .. يعلمون أن بذاك الوجه .. وتلك الطلة الحالية .. إن طارق أصبح ميتا من جهة ما ..
شيء ما ياكله .. ثقب اسود داخله يلتهم تلك الطاقات فيه ..
اختفت هالة الاشعاع حوله .. انقلب البريق في عينيه بطبقة رقيقة من الدمع تتخفي .. نوع من الشجن .. مسحة من الحزن ..

"شعور باللاجدوي .. شعور بالضياع .. بالخواء .. بالفراغ .. يحتلني "
هكذا صارحني بما يشعر به حين واجهته بقديم ذكراه في ذهني ..
" أنت يافتي ؟؟!! مثلك أنت بلا قضية ؟؟ بلا معني ؟؟ مالذي سقط منك في الطريق إلي السنة السابعة ؟؟"
سألته باستغراب الكون ..  عن تلكم السنوات السبع العجاف ..

واتفقنا أن يروي لي قصته .. وأرويها لكم ..
ونبحث معا علي ما سقط منه في الطريق ..


قديما قال لي طارق نفسه حول تلك الآية .. "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلبوهم لذكر الله ... "
"إياك يافتي أن تقرأها بمعزل عن الآية التي تليها .. إياك إلا يدخل لك الشيطان باحباطاته ووعوده الفقر .. إياك أن تنسي لمحة التفاؤل في الربتة التالية لها مباشرة "أعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها "

يتبع قريبا لقاءاتنا معا .. ورحلتنا للبحث عنه ..

الأحد، 9 أكتوبر 2011

أيمن بلا يمني ..


رأيته بعد مضي ما يقرب من العامين .. شاحب بشدة ..
علي وجهه ألف قطرة من عرق .. او يزيد ..
كان يجلس علي مقعد متحرك .. مبتور الرجلين إلي ما فوق الركبة .. مبتور اليدين إلي ما حول الرسغ ..
كانت الساعة الثالثة فجراص بقسم طوارئ الجراحة والحوادث ..
لم اتذكره في البداية ..

- أنا عارفك .. شفتك قبل كده ؟؟!!
رد باعتياد النجوم أمام معجبيهم .. 
وفي حسرة الخسارة الساخرة .. وعلي وجهه نبتت ابتسامة مجبرة علي التواجد ..
فإننا أحياناً نبتسم بالإكراه ..

- اكيد هنا يادكتور .. ماهو أنا محجوز هنا ..
واشاح بوجهه سريعاً ..

- أيمن .. مش كده ؟؟!!
أجاب في استغراب : ايوه يادكتور ..
فأمثال ايمن يستغربون أن يعرفهم الأطباء بأسماءهم ..
فبعد فترة من التلبس بوشاح البياض المعقم .. يبدأ الطبيب في مناداة الناس بحالاتهم .. بنسبة الهيموجلوبين .. او فيروس سي ..
بل يبدأ الأطباء يرون الناس أعضاءاً بعينها ..
فذاك قولون .. وذاك زائدة .. وهذه غدة درقية ..
وايمن كان اسمه برجر ..

فأن تنادي مريضا باسمه في المستشفي الأميري كانت تحمل له بعض الدهشة ..

وانسابت في ذهني الذكريات ..
إنه أيمن .. حالة الدرس في قسم جراحة الأوعية الدموية اثناء الدراسة .. اي منذ مايقرب من السنتين ..
اتذكره جيداً .. فقد اصابني بهزة عميقة ..
وأمثال أيمن لا يمكن نسيانهم ..
أمثال ايمن ينسون هم الأطباء ولا ينساهم الأطباء أبداً ..

ولكنني حين رايته للمرة الأولي كان بجسد كامل .. كان حالة الدرس يوم مناقشتي ..
وكنت اتجاوز كعادتي مناقشة الحالة .. اتجاوز المرض ..

ايمن فتي عشريني .. قوي البنية .. أو هكذا كان يوماً ..
تحمل عيناه عمقاً غرائبياً ...
كان يومها عمق التخوف .. عمق المجهولية ..

واليوم زاد عمق عينيه .. بنكهة الأسي .. والياس ..


ايمن يعاني من مرض يدعي مرض برجر .. وهو مرض يصيب المتشابكة العصبية الدموية .. (الأعصاب والشرايين ) ..
يتوقف علي اثرها الدورة الدموية بشكل تدرجي في الأطراف ... فتموت الخلايا ..

الخلاصة أن ايمن .ز وبشكل تدريجي كان يخسر كل يوم جزءاً منه ..
وكل بضعة اشهر يضطر الجراحون لعملية بتر للأجزاء الميتة ..

وحينما رايته في بداية مرضه كان قد خسر ثلاثة اصابع ..
وخطيبته ..

أيمن هو رجل بطعم الخسارة ... بنكهة الخسارة ... برائحة الخسارة ..
تتحدث معه فتلعن تاففاتك وامتعاضك من قلة المال .. او ازدحام الطريق ..
ايمن يجعلك تتضاءل كلما رأيته ..

ايمن هو مقابلة حية مع رجل كرامون سامبيدرو (فيلم البحر داخلي the sea inside ) .. بعمق الخسارة ..
لن اصنع اقصوصة بنكهة الوعظ .. ولن احيك شخصية روائية اقول فيها أنه الصابر الراضي ..
ايمن لم يكن سعيدا قط ..
هو ايضا لم يتأفف .. لم يلعن ..
هو كان يائساً ..
كانت الدنيا عنده تسير من الطرفين ..
كان الوقت عنده يسير اسرع منا ..
نحن نسير كل يوم نحو الموت يوماً..
فعندنا كل يوم نقترب من أجلنا خطوة ..

اما ايمن فكان يسير كل يوم نحو الأجل خطوة ..
ويسير نحوه الأجل خطوة ..
وكأنه يقطع في اليوم نحو الخسارة يومين ..
أو اكثر ..

لا لم يكن مرض برجر مميتاً ..


اليوم .. أيمن قد خسر رجليه .. علي أكثر من عشرة مراحل .. وعشرات عمليات البتر ...
وخسر معظم اصابع يديه ..
واليوم واثناء كتابة هذه السطور ..
يبترون له جزءاً آخر ..
جزءا أكبر ..

يبترون معه .. جزءاً من روحه .. التي اصابها بدورها البتر ..

بعدما مات حماه .. تدخل اخوال خطيبته .. وكان لم يزل يحتفظ باصابعه .. ولكنه يعلم أنها استعارة مؤقتة من التراب تبعا لمقولات الاطباء ..
- لم تربطين مصيرك بمشروع عاجز ..

وهكذا تركته خطيبته ..

لا اريد اليوم أن احمل عظة علي لسانه .. او حالة حياته .. ولا أن اصنع منه اسطورة ابتلاء صابر ..
إنه فقط يكشفنا .. يعرينا .. يفضحنا ..
يخبرنا ان هناك زوايا كونية لا ندري عنها شيئاً ..
وجراح لا تندمل .. وخسارة تشرق علي بعض النفوس مع كل فجر ..
واننا بخير حال ..  ولو حملنا ملايين الندوب .. التي توقفت عن النزف وإن لم تتوقف عن الألم ..

,ان دنيانا العابثة الصاخبة .. ومشكلاتنا الصغيرة التافهة لا تساوي شيئاً ..

واننا نملك الكثير والكثير ..

واننا وان ادعينا الخسارة ..
لم نخسر الكثير .. ولكننا نركز بأذهاننا علي ذاك القليل الذي خسرناه ..

إن ايمن كان يدفن كل اسبوع قطعة من جسده ..
ونحن نتأفف من حر الظهيرة ..؟؟

الثلاثاء، 4 أكتوبر 2011

وانشق القلب


أنا كائن برمائي .. نصف حياتي في الماء والنصف الآخر علي الأرض ..
أو بمعني ادق كيان أرضسماوي .. نصف ارتباطي بالسماء والنصف للأرض ..
وقد أعياني ذاك التدافع فنصفي السماوي يجذبني للأعلي .. ونصفي الأرضي يشدني للغوص ..
لقد تقطع القلب بينهما .. انشق .. وتمزق ..

فوجدت أن الحل يكمن في التراضي .. في مفاوضة نهائية بيني وبيني ..
نصعد جميعا للسماء ساعة بكل القلب ..
ونهبط بجمعيتنا للأرض ساعة بكل القلب ..
مع اتفاق علي شروط للصعود .. وحدود للهبوط ..
ربما يحل ذلك تمزقي .. ويدفعني للتناسق مع الذات ..

نصفي السماوي محوره القرآن والعيش في محرابه والكتابة حوله وتفسير حياتي به ..

ونصفي الأرض محوره الكتابة المتمردة .. العشق الوهمي .. خيالات الروائيين ..

دائماً كنت اتساءل في الشروط التي وضعها القرآن لحماية الشعراء من حالة الغواية ..
(والشعراء يتبعهم الغاوون . الم تر انهم في كل واد يهيمون . وانهم يقولون ما لايفعلون. إلا الذين آمنواوعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا)

تري هل هي شروط للأداء الشعري .. بمعني هل لابد للتخلص من حالة شعراء الغواية أن يكون الشعر ايمانيا مليئاً بالذكر والانتصار للحق ..

أم أنها حدود للنفسية الشعرية ..
بمعني خض فيما يدفعك إليه الابداع .. وابحر فيما أردت من عوالم .. ولكن اجعل حياتك نفسها قائمة علي الإيمان والعمل الصالح والذكر والانتصار للحق ..
فتلكم وسائل حافظة لغواية النفسية الشعرية .. لا شروط للابداع نفسه ..

تلكم خصائص يجب أن يتحلي بها الشاعر .. لا الشعر نفسه ..
وينطبق الأمر علي الابداع بكافة اشكاله ...
فإن للابداع غواية .. لا يحفظك من شرورها سوي الارتباط بالسماء بتلك المعاهدة الرباعية ..
فتلك ساعة لامحدودة .. وتلك ساعة لا محدودة ..
ولكن كل منها تمس الأخري .. فساعة الابداع تكسر رتابة العبادة وتضفي عليها الروح والطعم واللذة .. بل قد يتعدي الابداع إلي العبادة ذاتها فيكون سببا في انفتاح اسرارها والفهم عن الله فيها ..
وساعة السماء والعبادة تضع للابداع وسائل الوقاية _هي ليست حدود_ إنما فقط كمخدات اسفنجية تحفظك من سقطات ما بعد القفز التخيلي والتحليق الابداعي ..
إنما هي ساعة وساعة ..


الخميس، 29 سبتمبر 2011

رضا علي رضا


لأنها أجمل من أن تنسي .. من أن تسقط .. كما سقط منا الكثير والكثير في الرحلة ..
مما نحتاج إليه فعلاً ..
نقتني الأوراق .. والكتب .. والأجهزة ..
ونجمع بعض العملات القديمة .. والأغنيات .. وصور عائلية سخيفة ..
ويسقط منا في الطريق .. الكثير من المعاني .. تسقط سهواً ..
وأحياناً .. تسرق ..
وأحياناً .. نبيعها ..

المصيبة أن تلك المعاني والرسائل التربوية الربانية هي مفاتح مغاليق الطريق ..
لن تنفعنا الصور .. ولا كرامة لورقة .. ولا عزة لكتاب بشري ..
حين تعلو ألغاز الطريق ..
نبحث في جيوبنا عن وجه مألوف .. عن يد صديق .. عن حالة حياة .. 
عن تجربة حقيقية .. لا شخصية روائية .. أو عبث سينمائي .. 
فما بالنا نشكل عقائدنا .. ورؤانا .. وتصوراتنا في الحياة من الرواية السينمائية المنقوصة ..
ونغفل الصياغة الربانية لشخوص حقيقية تسير في الجوار ..

وهي كانت كذلك ..
رأيتها .. علي كرسي متحرك .. تدخل إلي قاعة الدرس في قسم أ حريم أمراض عظام .. 
أوحي إلي وجهها .. أنها تحمل أكثر مما ينبغي .. وأن ذاك الثقل في صدرها هو ما أقعدها في النهاية علي الكرسي ..
وأدهشني صفاء بسمتها ..
هي إمرأة خمسينية .. في نضارة فتاة عشرينية ..

مين حيناقش الحالة دي ياجماعة ؟؟ قالها طبيب يرتدي معطف ابيض .. أقصد معطف أبيض نبت له كائن بشري  ..
فإن الطب اثنان ..
إنسان يرتدي معطفاً .. ومعطف يرتدي إنساناً ..
فبعد كثير من العمل .. والعمل .. نكتشف أن قطعة القماش البيضاء التي نرتديها صارت أغلي منا ..


وتقاعسنا جميعاً .. لا أحد يقوم .. فلا أحد يعرف شيئاً .. كلنا جديدون هنا .. ومرت دقائق .. صامتة ..
وجذبتني إليها .. هناك شيء ما فيها .. في عينيها صفاء ملائكي ..
اقتربت منها .. لم أسالها عن شيء وجدتني فقط أمد يدي لأحتضن يديها المرتعشتين خوفاً .. فهي تعلم أنها ضحيتنا الجديدة ..
ففي المستشفيات التعليمية لا تدفع أجر علاج مادي .. وإنما تدهس كرامتك البشري .. وينكشف جسدك أمام أيادي الطلاب الجدد .. يهرسونه بفحص السذج .. المستجدين ..
الذين لا يعتبرونك إلا أداة ..
يزنوك بميزان حالتك ..
حالتك سكر .. منتشرة .. قديمة .. لا تساوي شيئاً ..
حالتك ورم سرطاني .. أنت تساوي الكثير .. نعم .. قدر درجات امتحان العملي ..


بالنسبة إلي طلاب الطب .. صلاحية الإنسان تنتهي بمجرد انتهاء الكشف عليه ..
بالنسبة إلي أنا .. كانت علاقتي تبدأ تماماً في ذاك الوقت .. بالمحتضرين ..

لماذا أجد في الإحتضار شيئاً يجذبني .. حد البكاء ..

أعود إليها .. اسمها رضا .. وحينها عرفت كيف أن لكم من اسماءكم نصيب ..
الحالة .. علي قائمة انتظار تغيير مفصل الفخد علي نفقة الدولة .. بعد التهاب مفاصل مزمن وقاسي أودي بمفصلي الفخد ..
السبب : ابنها يعاني من ضمور العضلات .. لديه الآن بضع وعشرين سنة .. وبالتالي فهي قدميه .. ويديه ..
وكرسيه .. وعجلاته ..
والضريبة .. فخديها ........................
ألم قاسي .. وتشوه عجائبي في الحوض ..
لقد عانت تلك المرأة كثيراً ..

أنا أعرف تاريخها المرضي ..
أما هم .. وطبيبهم .. فيعرفون تاريخ مرضها ..
وفارق بين تاريخها المرضي .. وتاريخ مرضها ..
وبعد أن انكبوا عليها ... الكل يداعب .ز ويسحق .. ويضغط .. ويندهش .. ويدون ..
قامت .. وفي عينيها اكسير التوسل قد انصب .. 
وصاحت .. طمني يادكتور .. هل سأعود كما كنت ؟؟
ولمحت هنا ابنها يدلف إلي الصورة .. ليغرق في طبقتين من الدموع احتلتا عينيها .. ويحترق مع احمرار خديها ..
ويختنق مع حشرجة صوتها ..

ويذبحني في حرقة .. تنبعث من كيانها المنتفض ..
وجدتني أنسكب نحوها .. انهمر ..
حملتها ..  وذهبت بها غلي سريرها .. وهي لم تتوقف عن البكاء ..
وهناك أدهشتني ..
روت لي حكايتها .. كاملة ..
وروت لي ما وراء الحكاية ..
توقعت أن أري تذمراً .. أن أري حتي تصبراُ ..
ولكني ما رايت إلا قمة في الرضا .. هي تحبه حب العاشقة ,, تهواه ..
لا يعييها من المكوث في المستشفي سوي بقاء ابنها بيعداً عنها ..


 هي تتبعثر ندماً .. أن يظن أنه هو السبب ..
ترجوني في سؤالها .. أهو السبب ؟؟ .. تريد أن تسمعني أقول لا ؟؟
لتقسم له أن ذاك رأي الطبيب ..

أحببتها .. وأحببته ..
وأحببت القدر معها ..
وانتهت فترة التدريب .. وانا أهواها ..

أزورها يومياً .. نتسامر طويلاً ..


ويوم الزيارة .. يوم تجتمع العائلات .. ويختفي الأطباء.. ذهبت لأراه ..
جميل هو كنجم سينمائي .. غاية في الوسامة .. شديد الرقة ..
عذب البسمة ..

تري ما الذي ذهب بي يومها .. ؟؟
نعم أردت أن تكتمل لدي الصورة


.............................................................................
.....................................................................
................................................................................................
..........................................................................
...........................................................................


يا إلهي .. أو تعرف هي ؟؟
أو يعرف هو ؟؟؟

ما تلك السكينة التي تملؤهما ...
كيف يمتلئان رضا ..
كيف لم يسخطا .. لم يتمردا .. لم يصرخا .. كالمتوقع بالنسبة إلينا ؟؟؟

كي يمتلئ وجهها نضارة بمجرد رؤياه .. وهي تعرف أن عنائها سيبقي به .. وسيزيد بعده .. وأنه قربما يمضي ..

إن الكتابة عن رضا كحالة درس العظام .. سهل للغاية ..

ولكن الصعوبة في مجرد احصاء كم المعاني التي سكبتها في نفسي .. ولا املك لها صياغة .. بل إن محاولة صياغتها افساد قاس لها ..

فقط كل ما يمكن قوله .. أنه قبل أن تحتشد في عقلك الحالات وتلتبس الأسماء .. ويقتل الطب فيك البشري ويحولك إلي مشرط .. أو ميكانيكي بشري .. ويتحول الناس إلي حالات واسماء متلازمات ..
كل ما يمكن قوله أن بالإنغماس مع البشر حتي النخاع .. وبالخروج من حافة الصورة السينمائية إلي عمق الواقع.. نجد ما يؤكد لنا أن هناك ابعاداً في الحياة .. ومعايير أخري للسرور .. وللسعادة .. وللسلام الداخلي ..

معايير أخري للنجاح .. واللذة .. 
معايير أخري للبياض ...

تلك إمرأة .. وكلمات قد لا تعني لقارئ خارجي شيئاً..
ولكنها عنت لي الكثير ..
كل ما أردته أن أدونها .. لأتذكر حين أطالعها يوماً حالة وضعتني فيها رضا ...


لم اشأ أن انخرط أكثر .. لأنني أعلم أن لتلك القصة فصول أخري قد لا يحتملها كيان خارجي ..
فتركتهم يعيشونها وحدهم ..
وأنا أشك .. أني وحدي أعلم .. 
النهاية ....  

 تم حذف أجزاء من النص لأنها يتنافي مع أخلاقيات المهنة "خصوصية المريض"

25/7/2010

السبت، 24 سبتمبر 2011

اذا كنا نموت



إذا كنا نموت .. فما الفائدة ..؟؟!!



لم يجمع الناس علي الإيمان بالآخرة .. بما بعد الموت .. بالباقي ..


ولكنهم أجمعوا علي الإيمان بالموت .. بفناء الدنيا .. بأن لا شيء يبقي ... ولما كان لا شيء يبقي .. فلا شيء يستحق ..





إذن فأنت كمؤمن .. من المفترض أن تكون الأرسخ إيماناً بتلك الحقيقة .. فلديك اليقين الدنيوي الحسي المؤكد بأن الموت قادم لا محالة .. في لحظة ينتهي كل شيء .. يتوقف الزمن .. لايعد لأوراق النقود حتي قيمة الورقة المطبوعة عليها .. فعند الموت لا قيمة ..


عند الموت لا ينفعك التشبث بشئ .. لا ينفعك ضمك لكف أحدهم .. فما من حافة بين الموت والحياة لتتشبث بها ..


الموت بعد آخر .. لاسبيل للمقاومة علي عتبته .. ولو لحظات ..


الموت لحظة ..


إن السكرات قدر آخر .. قدر من الحياة .. لا قدر من الموت ..






الفاني لاقيمة له .. لذا فالأحري أن يؤمن الملحدين بلاجدوي شيء .. بعبثية كل شيء .. فهم لايرون ما بعد الموت شيء .. لذا فليس في تصورهم هناك ما يبقي ..


ياله من تصور قاس .. لاشيء يستحق هنا .. ولاشيء هناك .. فعندهم لاهناك ..


فعقلائهم يتركون الدنيا .. ويلقون العالم .. ويبيعون الكون .. ولكن بلاشيء في الأفق .. يأس وقلق .. مجانية الوجود ..






فما بالك أنت .. أنت أيضا توقن أن لا شيء يستحق هنا .. ولكنك تتصور هناك ما بعد الموت .. حيث كل شيء .. حيث ما يستحق .. وما يبقي ... حيث للأرض ثباتاً تحت اقدامك .. حيث لا تخشي الغد .. بل حيث لاغد .. حيث الكل الآن .. حيث لا ألم .. لا ياس .. لا قلق .. لا خوف .. لا سواد ..


حيث النور يتجلي كيانات وكيانات .. حيث الاتصال بالمطلق .. والسباحة في سرمدية السعادة .. ولانهائية السلام ..






الله اعطي لك الدنيا لتعمر بها الآخرة .. نعمة الوقت .. فرصة للإدخار ..


فلو كانت الدنيا أقل لما استطعت أن تملأ قصورك .. وتعلي درجاتك ..هناك ..


وأنت تستخدمها في بناء عششاً واهية هنا .. وتعلي مكانات زائفة هنا ..


وتسوف التوبة .. وتؤجل العمل إلي وهن الشيخوخة .. ويغرك بالله الغرور .. وتدعي حسن الظن .. ولو أحسنت الظن لأحسنت العمل ...






إن الرباني لا يحيا في الدنيا وقلبه معلق بالآخرة .. فتلك صفة المؤمنين ..


بل هو يحيا في الآخرة مباشرة ..


الدنيا عنده خيال .. وهم .. وزيف .. عالم افتراضي ... تماماً كلعبة الكترونية يختار فيها شخصية ما يعدو ويقفز ويجمع .. هو يعلم أن ماريو لن يفيده بشيء إن وصل القلعة .. ولن يضره بشيء إذا قرصته السلحفاة ..


الدنيا عالم افتراضي خيالي زائف .. ليس فيها من الحقيقة سوي ذكر الله وما والاه كما قال الحبيب ..


فالرباني يعامل الدنيا كما يعامل اللاعب عالم ماريو الخيالي ..


إن كان لابد له من خوضها .. وممارستها .. واقترافها ... فهي في يده باسرها كذراع الأتاري القديم الصغير يملك به الطفل عالم ماريو ثنائي البعد العقيم ...


من لعب ميتال جير .. يزهد في ماريو .. ويضحك علي استمتاعه القديم بها ..


ومن لعب أساسين كريد يزهد في ميتال جير ... وهكذا .. كل بضع سنوات يمنحنا البشريون عوالماً افتراضية جديدة تزهدنا في العوالم الافتراضية القديمة .. تجعلنا نراها عبثاً وحمقاً ,..


تماماً كعوالم الأفلام الابيض والأسود القديمة .. والأكشن العقيم .. نضحك عليه الآن بعدما كانت ترتعد له القلوب حينئذ ..






فمابالك بكون حقيقي يصنعه لك الخالق المبدع الكريم ..


كيف تتضاءل عنده الدنيا .. تتلاشي ..


هذا إن كان مؤقتاً .. فكيف والديمومة قاعدته.. والتأقيت قاعدة اللدنيا ..


ويحك ... لو كانت الآخرة كالدنيا ولكنها تدوم لكانت أحق بالإيثار ..


بل لو كانت الآخرة أقل من الدنيا وتدوم .. لكانت أحق بالإيثار ..


.. فكيف والدنيا لا تساوي فيها شيء ..






بل لو كانت الدنيا تدوم لك ملايين السنين .. والآخرة تدوم لك للأبد السرمدي .. ما لانهاية ...


لكان شراء الآخرة أولي بالقاعدة الرياضية أن نسبة اي عدد إلي مالانهاية تساوي صفر .. ولو كانت بملايين السنين فهي للأخرة صفراً .. فراغاً .. خواءاً ..


فكيف وهي لا تمر لك سوي بضع سنوات تقضي أكثر من ثلثها نائماً ...؟؟!!






الناس نيام .. فإذا ماتوا انتبهوا .. كما يقول المصطفي ..


اتدري ما الدنيا إذن .. هي ذاك الحلم في تلك النومة ..


إنك في حلم الأمس غزوت روما .. وسيطرت علي قصورها .. واستيقظت اليوم لاتجد افطاراً ..


هل افادتك في واقع اليوم .. قصور روما التي غزوتها في حلم الأمس ..


ولن تفيدك في حقيقة الغد بعد الموت .. أعشاش القاهرة التي امتلكتها في حلم الدنيا الزائل ...






لتموتن كما تنامون .. ولتبعثن كما تستيقظون ..


اسأل نفسك دوماً .. إذا كنا نموت فما الفائدة ؟؟






فاعمل لما يبقي ..


لن اقول أكثر .......................................................


الاثنين، 19 سبتمبر 2011

بالأمس كنا ..


كنا أنقياء اكثر  .. كنا شفافين اكثر .. أتقياء أكثر .. ابرياء أكثر ..
كنا فقراء اكثر .. ولكننا كنا لا نعبأ أكثر .. ربما لأننا كنا لا نطلب أكثر ..
كنا نستيقظ من النوم نوقن أن ماهو مأكول اليوم سيؤكل .. وماهو مشروب سيشرب .. وماهو مرزوق سيأتي ..
فكنا نلتفت إلي ما هو لن يفعل إلا إذا فعلناه .. وهي القيام بحق العبودية ..

كنا أقوياء أكثر .. رغم أننا كنا مراهقون أكثر .. 
رغم أننا كنا أصغر سناً .. وأقل بناءاً عضليا .. واقل عشيرة ومكانة .. إلا أننا كنا نتحرش بالمخاطر .. لا نخشي في الله لومة اللائمين ..
كم ارتمينا أمام سيول الفجرة .. لاتهتز أجفاننا .. لا نرمق رمقة .. لا ترتفع حتي اصوات انفاسنا حتي لا يتهم الإسلام بلهاث رجاله ..
الآن حينما اصبحنا أكثر آمنا .. أكبر سنا وحجما ومكانة وعشيرة .. اصبحنا نفكر اكثر ..
والتفكير بضعة من الجبن ..

كنا أعفة أكثر .. رغم أننا كنا نشتهي أكثر ..
اتذكر حين كنا تعرض لنا فتاة تعجبنا .. كنا لا نغض البصر إلي الأرض كما نحاول أن نفعل الآن .. إنما كنا نرفعه إلي السماء .. ونقول لحوراء في الغيب تنتظر .. لحوراء تسجد داعية اللهم اعنه علي دينه .. كنا نبعث لها رسالة وفاء .. قائلا لن نخون .
نعم بالأمس كنا نغض البصر .... إلي أعلي ..
ربما أصبحنا أكثر تحرجا منها ومن السماء .. فنحاول أن نغض إلي الأرض الآن..

كانت همومنا أكبر .. ومشكلاتنا أكثر .. ورغمها كنا نبتسم أكثر ..
فقد كانت هموم الكون همومنا .. ومشكلات الأمة بأسرها مشكلاتنا ..
ولكننا كنا نجد وقتاً للابتسام .. نختلس وقتاً للقهقهة .. نسرق لحظات للدعابة .. من المخبر .. والشرطي .. ورجل الأمن ..

كانت قلوبنا غضة طرية .. كأنها جديدة لم تستخدم بعد ..
فكنا نحب أكثر ..



اتذكر ..

اتذكر فتي عملاقاً كان صديقي .. بل أخي ..
صديقي لدرجة أننا كنا نبكي سوياً علي كلمات أغنية تقول أنه في فؤادي ..
صديقي لدرجة أننا كنا نجلس كل يوم لا نحمل قرشاً واحدا نحلم بيوم زواجنا من صديقتين مثلينا .. في يوم واحد .. تماماً كأحلام الأطفال ..
صديقي نجحنا سويا .. وجاهدنا سويا .. ورسبنا سويا .. وعشقنا سويا .. وسقطنا من ركب الإسلام ..
ومن يومها لم نعد سوياً ..
وكأن الله وحده كان يجمعنا ..

صديقي .. عملنا معاً علي عجلة لبيع الأشرطة كانت تدر علينا ثلاثة جنيهات في اليوم ..
نقسمها علي ثلاثة .. لي واحد .. وله واحد .. وللحلم واحد ..
ربما انتهت صداقتنا يوم أن قسمنا مدخراتنا للحلم بيننا ..
واتذكر ..

واتذكر ..
في نفس ذات الوقت الذي ابحث فيه عن وظيفة اكثر مالا ... الآن ..
 منذ خمس سنوات ..
كنت ابحث عن الشهادة .. في سبيل الله ..
بكرامة اكثر ..
وسلام داخلي اكثر ..

واتذكر ..
في نفس ذات الوقت الذي تضحك فيه علي فيلم سينمائي .. الآن ..
منذ خمس سنوات ..
كنت ابكي علي اعتاب آية ..
بسرور أكثر ..
وفرح قلبي أكثر ..

واتذكر ..
كنت استيقظ من النوم .. لدي ما أحيا لأجله ...
وكنت أذهب إلي النوم .. لدي ما أعيا لأجله ..

كنت أحفظ اذكار النوم كاملة .. ولا اتمكن من اتمام واحد منها ..
لأن النوم كان يومها أقرب ..
واليوم .. يأتي حفنة من السحرة .. يلقون علي تعاويذهم للنوم ..
مع خمسة أشرطة للمنوم ..

ولكن الأرق أكثر ..



واتذكر ..
لم نكن نعبأ بالدنيا .. ولم نكن نكترث للحياة ..
ولكن كان عيشنا أهنأ ....

علي الهامش


هناك أناس يبقون يشاهدون الكون من النوافذ الشفافة ..
ينتظرون دائما أن يحدث شيء ما .. يتغير شيء ما . في الخارج ..
فقط ليشاهدوه ..


اناس يمعنون النظر .. ويقلبون الأمور علي وجوهها .. وأحيانا يخلقون لها وجوهاً جديدة ..
فقط ليقلبوها ..
ينظرون إلي الأمور بعمق .. وعمق ..
ويغوصون .. حتي ربما ينسوا يوماً كيف يصعدون إلي السطح ثانية ..


يزنون البدائل المتاحة .. يزنون ..
وأحيانا يخترعون مكاييل أدق ..
ليستمروا طوال أعمارهم يزنون البدائل ..


يعيشون الحياة ألف مرة .. بأحلام اليقظة ..
ففي الطريق إلي مقابلة ما .. تخرج في أذهانهم ألف ألف سيناريو للمقابلة ..
وقبل الوصول إلي مكان المقابلة .. ومللاً من أالف مقابلة في الطريق .. واعياءاً من كل تلك الأزمنة التي توالدت في أذهانهم ..
يتصلون هاتفياً للاعتذار عن المقابلة ..
عذراً ربما في وقت لاحق ..
أو ربما في خاطرة أخري ..


يعشقون الميكروباص .. والقطار .. والأتوبيسات ..
يحبون أن يجلسوا بجوار النافذة .. يصفعهم الهواء .. فهم يعشقون التفكير علي هذا الإيقاع المنتظم ..
يحنون إلي القديم .. إلي الطفولة .. إلي أماكن العشق الأولي .. وتفتح الذكورة والأنوثة .. وتبرعم الهوي ..


يحتفظون بكل شيء .. فربما احتاجوه في المستقبل ..
وبعد سنوات يلقونه في المهملات .. ربما علي بعد أيام من حاجتهم الفعلية له ..


أنا منهم ..


وهؤلاء خلقوا فقط ليكونوا كتابا..


فلا تحاولوا أن تكونوا غير هذا ...