- لأن الكتابة هي آخر ما تبقي لنا ..
سنكتب ..
ولأن أول ما كان في الكون .. قلماً ..
"أول ما خلق الله القلم"
سنكتب..
فهي اول ما كان .. واخر ما تبقي ..
ولأن اتصال السماء بالأرض كان بكتاب ..
سنكتب ..
فالكتابة فعل قدسي .. نوراني ..
جزء من تلك النفخة الربانية فينا ..
هكذا الفنون بأسرها .. تجليات النفخة النورانية في صدر آدم .. لذا لا سبيل لكتمانها ..
الله قد كتب كتبا يا سادة ..
ونحت بشراً ..
وسجع آياته ..
وابدع الكون بجماليته الانشائية ..
وصمم الجنة تصميم كامل بيده ..
كتب .. نحت .. سجع .. انشأ ..
الله قد خلق الكون في ستة أيام رغم قدرته أن يقول له كن فيكون ..
ولدينا نحن بالنفخة التي نفخها الله فينا .. تلك الحاسة الجمالية ..
فالله جميل .. يحب الجمال ..
وجعلنا ايضا بنفخته فينا نحمل مسحة منه ..
فنحن ايضا بنسبة ما .. كل احد فينا .. من زاوية ما .. جميل ..
وكل أحد فينا من زاوية ما ايضا .. يحب الجمال ..
لذا ساكتب ..
لأن الكتابة صورتي .. الجميلة ..
سأكتب حتي تراني .. جميلا ..
كما أنا في داخلي ..
صناعة ربانية .. جميلة بجمال خالقها ..
سألتني بالأمس: قد اعتزلت .. وآثرت الهامش .. فلماذا تظل تكتب ؟؟
اجبتها إن الكتابة يا صغيرتي .. فعل لا ارادي داخلي .. غريزة .. تماما كأنفاسك ..
انت تستطيعين ان تكتمي انفاسك دقائق .. ولكنك لن تتمكني ابدا من قتل نفسك اختناقاً ..
وتلك حقيقة علمية ..
ترادفها لدي .. ان الحروف كأنفاسي تماما يمكنني كبتها لبعض الوقت .. ولكني لا أملك كتمانها للأبد ..
لدي غريزة ... كحب البقاء .. هي حب الحرف .. حب الكلمة ..
انا خلقت لاتكلم .. جبلت علي الكلمة .
ولا عجب .. فأول ما كان في الكون كلمة ..
"في البدء كانت كلمة ".. سفر التكوين ..
واعتزالي كان للسامعين .. لا للكلام .
اعتزلت البشر .. ولا املك اعتزال الكلم ..
إن اشكاليتي الدائمة هي كوني عشقت الكلمة .. عشق الفنان الذي اخذ يجملها ويجملها ..
حبا في الكلمة .. لا في السامع .. حتي خرج بها عن اطر الكلام ..
زينها .. وشكلها .. دهنها .. كعروس .. حتي اصبحت تصعب علي الفهم ..
تصعب علي التصديق ..
حتي اصبح لا يري جماليتها سواه ..
إن العروس ياسادة ليست زائفة كما تدعون .. ليست كاذبة بتلون وجهها ..
ليست غاشة لزوجها ..
وإنما هي متجملة .. تضفي الجمال إلي الجمال ..
والجمال لا نهائي .. فاغترفوا منه ما شئتم ..
وهكذا كلمتي .. ليست زائفة ..
هي فقط جميلة .. بما يكفي ..
ويفيض ..
فلا تحتويها قنوات الأذان ..
فلم تزل قنوات آذاننا اضيق من قنوات اخراجنا .. !!!!
لقد عشقت الكلام حتي صار الكلام عندي للكلام ..
والكتابة للكتابة ..
دون ان اعبأ بسامع او قارئ ..
الكتابة تلك الغانية .. والكلمة تلكم اللعوب ..
لا اقوي ألا اقترفهما ..
كجريمة لا ارادية ...
جريمة شغف .. كما يسميها الامريكان ..
Crime of passion
ووحدهما تحفظان علي روحي ..
.......................................................................
لأنه حيادي .. سلمي .. مرتعش ..
ألقيت قلمي الازرق البارد ..
ورفعت قلم احمر في وجه تحرشات بياض ورقة .. ملقية .. كفراشة بقميص نوم ارجواني علي فراش عجوز .. قد طلق الشهوة .. المهاجرة .. إلي سائر متعثر .. نحو الهرم ..
قلم احمر .. بلا مرجعية .. بلا توجه .. بلا حكومات .. ولا حقائق ولا ثوابت ..
قلم حائر .. عابث .. لا سلطوي .. كفيروس الكتروني هائج بلا برمجة .. ولا مخطط ..
كثائر بلا اجندة ..
كقديس بلا ديانة ...
تركت قلمي الازرق الذي يكتبني عنوة ..
واخرجت احمر من حقيبة الذكري ..
بل من قبور الأنا في الباحة الخلفية للتجمل ..
قلم طواعي التقيؤ .. طواعي الانتحار ..
اختياري الخطا .. والخطأ ..
قلم غير انتقائي الحرف ..
قلم لامقيد بغطاء ..
فالغطاء يا سادة .. كضمادة تحفظ الاقلام من نزيف الحبر ..
والاحمر يعشق النزف ..
فالاحمر لا يكون بلا نزيف ..
قلم لا مقيد بحروف لغتك يا فتي .. بلا لغة .. بلا معني .. بلا نغمة ..
قلم قديم .. قدم الألم ..
طويل كارتفاعات الهاوية .. إلا قليلا ..
لئلا يسمح بانتشالك ..
لكنه يسمح لهم .. أن يروك .. تستغيث ..
امسكت قلمي الاحمر الغاضب ... من الهروب .. من الخوف العقيم ...
من استسلامي القديم ..
وخططت جملة وحيدة .. كوحدتي ..
بل خط بي هو جملة .. وحيدة ..
كوحدته ..
وتلاشي ..
" إذا لم يسعك كونك يافتي .. فلتسعك قصيدتك
وإذا لم تجد لك في الأرض قبراً ..
فتواري .. في مرثيتك ..... "
هناك تعليقان (2):
موجعه
إن الكتابة والتدوين رسالة ..
وإن لم تكن كذلك عند البعض .. فينبغى أن تكون كذلك.
أخى ..
إن السعادة الحقيقية - فى الدنيا والآخرة لمن أراد الجمع بينهما - تكمن فى أن تترك أثراً يبقى بعدك وينتفع الناس به ..
فاحرص على ألا تترك الدنيا إلا وقد تركت خلفك أثراً يرفع الله به قدرك فى الدنيا والآخرة.
بارك الله فيك.
إرسال تعليق